بالضرورة فإن حصول كل حرف مشروط بانقضاء الآخر فيكون له أول فلا يكون قديما فكذا المجموع المركب منها وقالت المعتزلة أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث وهذا لا ننكره لكنا نثبت أمرا وراء ذلك وهو المعنى القائم بالنفس ونزعم أنه غير العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام بل قد يدل عليه بالإشارة والكتابة كما يدل عليه بالعبارة والطلب واحد لا يتغير وغير المتغير غير المتغير وأنه غير العلم إذ قد يخبر الرجل عما لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشك فيه وغير الإرادة لأنه قد يأمر بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه فإنه قد يأمره وهو يريد ألا يفعل المأمور به فإذا هو صفة ثالثة قائمة بالنفس ثم نزعم أنه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى ولو قالت المعتزلة إنه هو إرادة فعل يصير سببا لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبر به أو إرادته لما أمر به لم يكن بعيدا لكني لم أجده في كلامهم إذا عرفت هذا فاعلم أن ما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وكونها حادثة قائمة فنحن نقول به ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك وما نقوله من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته ولو سلموه لم ينفوا قدمه فصار محل النزاع نفي المعنى وإثباته فإذا الأدلة الدالة على حدوث الألفاظ إنما تفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة وأما بالنسبة إلينا فيكون نصبا للدليل في غير محل النزاع وأما ما دل على حدوث القرآن مطلقا فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ لا يكون لهم فيه حجة علينا ولا يجدي عليهم إلا أن يبرهنوا على عدم المعنى الزائد على العلم والإرادة لكنا نذكر بعض أدلتهم تكميلا للصناعة وهو من المعقول والمنقول
(١٢٩)