كالقرآن الذي يعلم أولا أنه معجزة خارجة عن قوة البشر ثم يعلم به صدق الدعوى أم لم يثبت كما إذا كانت المعجزة شيئا آخر ثم إن ههنا قياسين متعارضين أحدهما إن كلام الله تعالى صفة له وكل ما هو صفة له فهو قديم فكلامه تعالى قديم وثانيهما إن كلامه مؤلف من أجزاء مترتبة متعاقبة في الوجود وكل ما هو كذلك فهو حادث فكلامه تعالى حادث فافترق المسلمون إلى فرق أربع ففرقتان منهم ذهبوا إلى صحة القياس الأول وقدحت واحدة منهما في صغرى القياس الثاني وقدحت الأخرى في كبراه وفرقتان أخريان ذهبوا إلى صحة الثاني وقدحوا في إحدى مقدمتي الأول على التفصيل المذكور وإلى ما ذكرناه أشار المصنف رحمه الله بقوله ثم قال الحنابلة كلامه حرف وصوت يقومان بذاته وأنه قديم وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلا الجلد والغلاف قديمان فضلا عن المصحف فهؤلاء صححوا القياس الأول ومنعوا كبرى القياس الثاني وهذا باطل بالضرورة فإن حصول كل حرف من الحروف التي تركب منها كلامه على زعمهم مشروط بانقضاء الآخر منها فيكون له أي للحرف المشروط أول فلا يكون قديما وكذا يكون للحرف الآخر انقضاء فلا يكون هو أيضا قديما بل حادثا فكذا المجموع المركب منها أي من الحروف التي لها أول زمان وجود وآخره أو اجتمعا معا فيها فيكون حادثا لا قديما والكرامية وافقوا الحنابلة في أن كلامه حروف وأصوات وسلموا أنها حادثة لكنهم زعموا أنها قائمة بذاته تعالى لتجويزهم قيام الحوادث به فقد قالوا بصحة القياس الثاني وقدحوا في كبرى القياس الأول وقالت المعتزلة كلامه تعالى أصوات وحروف كما ذهبت إليه الفرقتان المذكورتان لكنها ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث كما ذهبت إليه الكرامية خلافا للحنابلة فهم أيضا صححوا القياس الثاني لكنهم قدحوا في صغرى
(١٣٣)