بطريق آخر فيظهر أن البياض لون مغاير للضوء المسمى في تلك الأمثلة بياضا وليس في هذا سفسطة وارتفاع أمان لكن الإمام الرازي كما هو دأبه يتصرف فيما ينقله عنه ليتسع له مجال الاعتراض عليه ويقلده في ذلك من يتبعه فلذلك قال صاحب الكتاب والحق منعه أي منع أن لا بياض فيما ذكروه من الأمثلة والقول بأن ذلك أي اختلاط الهواء المضيء بالأجزاء الشفافة أحد أسباب حدوث البياض وإن لم يكن هناك مزاج يتبعه حدوث اللون وليس ذلك الذي قلنا به أبعد مما يقوله الحكماء في كون الضوء شرطا لحدوث الألوان كلها إذ يلزم منه انتفاء الألوان في الظلمة وحدوثها عند وقوع الضوء على محالها فإذا أخرج المصباح مثلا عن البيت المظلم انتفى ألوان الأشياء التي فيها وإذا أعيد صارت ملونة بأمثالها لاستحالة إعادة المعدوم عندهم ولا شك أن هذا أبعد من حدوث البياض في الأجزاء الشفافة بمخالطة الهواء من غير مزاج ومن اعترف بوجودهما أعني وجود السواد والبياض قال أي بعضهم هما الأصل والبواقي من الألوان تحصل بالتركيب منهما على أنحاء شتى فإنهما إذا خلطا وحدهما حصلت الغبرة وإذا خلطا لا وحدهما بل مع ضوء كفيء الغمام الذي أشرقت عليه الشمس والدخان الذي خالطه النار حصلت الحمرة إن غلب السواد على الضوء في الجملة وإن اشتدت غلبته عليه فالقتمة ومع غلبة الضوء على السواد حصلت الصفرة وإن خالطها أي الصفرة سواد مشرق فالخضرة والخضرة إذا خلطت مع بياض حصلت الزنجارية التي هي الكهبة وإذا خلطت الخضرة مع سواد حصلت الكراثية الشديدة والكراثية إن خلط بها سواد مع قليل حمرة حصلت النيلية ثم النيلية إن خلط بها حمرة حصلت الإرجوانية وعلى هذا فقس حال سائر الألوان وقال قوم
(٦٤٩)