فرائض الله حتى عقل عنه ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولوا الألباب.
ولا تظنن أن خواص المؤمنين إنما آمنوا بالله واليوم الآخر بمجادلات المتكلمين وأدلة المجادلين هيهات! هيهات! وإنما عرفوا الله بمثل ما قلناه من تعاضد العقل والشرع واجتماع النور الداخل مع اجتماع النور الخارج كاجتماع نور العين مع نور الشمس في الرؤية وإلى مثل هذا العقل أشير بقوله عز وجل: يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يعني نور العقل ونور الشرع. وفي الحديث: ليس التعلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه.
فهذا البصير إن تبين له الحكم بحيث لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه أخذ به وشكر الله، وإن اشتبه عليه الأمر وكل علمه إلى الله وإلى إمامه المنصوص عليه من الله وعمل فيه بالأحوط ولا يفتي في مثله بالحتم والبت، قال الصادق - عليه السلام -: أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا. وقال عليه السلام: كل علم لم يخرج من هذا البيت فهو باطل، وأشار بيده إلى بيته، فلا يخترع من تلقاء نفسه قاعدة كلية غير منقحة ولا مسموعة حتى يقع (1) الاختلاف فيه كقاعدة حجية خبر الواحد وعدم حجيته على الاطلاق التي لم يتحرر محل التنازع فيه قط ولن يتحرر، إلى غير ذلك من القوانين المسماة عند أهلها بأصول الفقه بل يطلب في كل مسألة أهمته رواية خاصة يجوز التعويل عليها ودراية ناصة تطمئن النفس إليها.
ولا يحكم بالمتشابه إلا بالتشابه لأنه المحكم فيه وكيف يجوز أن يجعل المتشابه محكما وقد جعله الله متشابها فلا يبتغي تأويله ولا رده إلى أحد الطرفين كما يفعله الذي في قلبه زيغ وذلك لأن الله سبحانه جعل الأمور ثلاثة، بين رشده فيتبع، وبين غيه فيجتنب، ومتشابهات بين ذلك يرد حكمها إلى الله وإلى الراسخين في العلم العالمين بتأويله فكيف يحكم بالتثني فيما حكم الله فيه بالتثليث! مع أن في المتشابه حكما ومصالح يمتحن الله