الزهد وصفة الزاهدين - أحمد بن محمد بن زياد - الصفحة ٤٠
وقال آخرون: لا يسمى زاهدا حتى يكون مع تركه لها غير مريد لها، وذلك خروج قدرها من القلب.
واختلفوا إذا خرج قدرها من القلب، ولم تحبها النفس فتتناول منها شيئا على جهة المباح.
فقال قوم: قد تم زهده بخروج قدرها من قلبه، وإن تناول منها.
وقال آخرون: إذا خرج قدرها فتناول منها شيئا فهو ناقص، إلا أن يكون المتناول منها يعين على طاعة، أو ما لا بد منه، مما لو تركه لم يأمن نفسه الخروج إلى غيره، مثل من يكف به طبعه، وبشريته، من الغذاء، والنوم، واللباس، والنساء. إذ كانت البشرية مطبوعة على ذلك، وإنما المذموم أن يتعاطى الإنسان الزيادة على ما يحتاج إليه من ذلك، بعد تسكين البشرية، متلذذا، متمتعا، وإن كان مباحا.
وقال آخرون: لا يكون خارجا من الزهد من يتناول مباحا، كما لا يكون زاهدا من تناول محظورا.
وقال آخرون: كل ما يتناوله أو يدخل فيه، لا بد من أن يكون محرما منهيا عنه، أو محللا مأمورا به، أو مباحا مسكوتا عنه.
فأما الحرام فلا معنى للكلام فيه، وأما الحلال والمباح فلا يدخل فيه إلا بنية، ولا تخلو النية من أن تكون محصورة، يراد بها الطاعة، أو مذمومة تؤول إلى المعصية، أو مسكوتا عنها.
فمن دخل الأشياء بلا نية لم يطلق عليه اسم حمد، ولا ذم، وما دخل فيها بنية رد إلى نيته، وقد قال قوم: إذا دخل بلا نية فهو ناقص لأنه عبد مأمور منهى، فكل ما دخل فيه مما لا يوافق أمرا ولا نهيا فهو فضول لا يعنى، وتركه
(٤٠)
مفاتيح البحث: الزهد (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»