وقال آخرون: ذلك قدر نيته إن نوى به حب البقاء والصحة وزوال الأمر، فهو من حب الدنيا، وإن كان فعل ذلك ليتقوى على أمر الله وطاعته، فذلك على قدر نيته.
وقالوا لو أن رجلا طلب الدنيا ليأكل ويشرب، ويلبس ويتمتع فيها، وآخر تركها لراحة قلبه وجسمه، وتلذذ بالفراغ والراحة، كانا جميعا غير زاهدين، حتى ينوي التارك لها بنية غير هذه، إما ليفرغ منها لأنها تشغله عن الآخرة، وإما لأن الله عز وجل ذمها، وزهد فيها، فذلك على قدر نيته أيضا.
وقالوا: لو تركها، وجانبها، ولها في قلبه قدر وموضع، كان بذلك فاضلا، معاملا، مجاهدا، ولم يكن بالترك زاهدا، وإنما الزهد عندهم خروج قدرها، إذ هي لا شئ.
قالوا: فذلك الزهد.
درجات الزهد ومن الزهد أيضا: الزهد في الرئاسة، والمحاسنة، والمحادثة، والمعاشرة.
وأول الزهد: الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح. وأعلى مراتب الزهد، أن تزهد في الفضول، والفضول كل مالك عنه غنى، فكأنك تزهد في كل شئ إلا فيما أمرك الله، أو فيما ندبك إليه، مما يقربك إليه، أو ما لابد منه، وكل ما كان سوى ذلك فهو من الفضول، وهو ترك ما لا يعنى.
وقال قوم: النار كهذه الأشياء، وإن كان يحبها، ويريدها، إذا تركها مجاهدا لنفسه، صابرا عنها، إنه زاهد.