كتاب العمر والشيب - ابن أبي الدنيا - الصفحة ١٤
والتوفيق إلى إنفاقه إنفاقا مثمرا، واحتشاده بالمشاعر والحركات والأعمال والآثار وكذلك يكون نقص العمر بقصره في عد السنين، أو نزع البكرة منه وإنفاقه في اللهو والعبث والكسل والفراغ.
ورب ساعة تعدل عمرا بما يحتشد فيها من أفكار ومشاعر، وبما يتم فيها من أعمال وآثار. ورب عام يمر خاويا فارغا لا حساب له في ميزان الحياة ولا وزن له عند الله " (1).
قال مالك بن دينار: " ويل لمن ذهب عمره باطلا " (2) والكثير من الناس يفنون أعمارهم وهم يحتمون بكل وسيلة، ويتقون بكل سبب عوارض الدنيا آفاتها ومحنها، ولكنهم لا يبذلون أي جهد أو اجتهاد في اتقاء عذاب النار، والاستعداد ليوم تشيب له الولدان.
أنشد عيسى بن عبد الرحمن:
عمرك قد أفنيته تحتمي * فيه من البارد والحار وكان أولى بك أن تحتمي * من المعاصي خشية النار (3) والشيب تجسيم وتشخيص لهيئة الشيخوخة ومظهرها، وكان بكر السهمي يقول: " الشيب تمهيد الموت " (4).
ألا فامهد لنفسك قبل موت * فإن الشيب تمهيد الحمام فقد جد الرحيل فكن مجدا * بحط الرحل في دار المقام والشيخوخة انحدار إلى الطفولة بكل ظواهرها وقد يصاحبها انحدار نفسي ناشئ من ضعف الإرادة حتى إن الشيخ ليهفوا أحيانا كما يهفو الطفل، ولا يجد

(١) في ظلال القرآن 5 / 2933.
(2) العمر والشيب / 24.
(3) العمر والشيب: رقم (61).
(4) المصدر السابق: رقم (62).
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»