كتاب العمر والشيب - ابن أبي الدنيا - الصفحة ١١
والعبث والفراغ.
إن طال ليلهم فإنهم ينشغلون بحديث لا ينفع يخوضون فيما يضر بدينهم وأخلاقهم، وإن طال نهارهم يقضونه بالنوم، وهم في ثنايا ذلك بين العمل والسوق والغفلة السادرة.
والعجب من عاقل يرى الموت ينتزع أهله وأقرانه وجيرانه ثم يظل في غفلته وانهماكه في لهوه. قال عبد العزيز بن أبي رواد: " من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشئ: الإسلام، والقرآن، والشيب " (1).
4 - أما المسلمون الذين غزا الشيب رأسهم، وكبر سنهم فهم أولى بالاتعاظ والاعتبار.
قال الحافظ ابن الجوزي: " العجب ممن يقول: أخرج إلى المقابر فأعتبر بأهل البلى. ولو فطن أنه مقبرة، يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها، خصوصا من قد أوغل في السن، فإن شهوته ضعفت، وقواه قلت، والحواس كلت، والنشاط فتر، والشعر ابيض، فليعتبر بما فقد، وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده عن التطلع إلى غيره " (2).
5 - كتاب العمر والشيب:
ولهذا الكتاب - الذي من الله علينا بإخراجه لأول مرة - من آثار العلامة الحافظ الثقة ابن أبي الدنيا البغدادي (ت 281 ه)، يتجلى فحواه من عنوانه، فإنه عمل تربوي هادف، أراد من ورائه أن ينبه جيل المسلمين إلى قيمة الوقت، وأهمية العمر، ليغتنموا الساعات قبل أن تخترمهم المنية ويخسروا صفقة العمر، أو يغزوهم الشيب ويضعفهم الكبر، فيذهب الشباب بحماسه ونشاطه وفتوته وحيويته، فيستيقظون وقد خارت القوى، ودبت الأمراض والأوجاع، وقرب الرحيل فيندمون على التفريط في زمن البذر والغراس.

(1) العمر والشيب (40) (2) صيد الخاطر (315).
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 5 7 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»