سبحانه وتعالى وصدق التوجه إلى الآخرة، وإحكام المغاليق في وجه الشيطان ومساربه ودروبه.
ويأتي كتاب " العمر والشيب " للحافظ ابن أبي الدنيا لبنة في هذه الحركة المباركة التي نهض بها المربون والمصلحون والدعاة الصالحون في إيقاظ الشباب المسلم في زمنهم، وفي الأزمان التالية من سباتهم، فكانت هذه الآثار والوثائق التربوية المسندة المختارة التي صنفها هؤلاء المربون، ودونوا فيها صفوة ما علموه من كنوز النبوة، وذخائر الأصحاب البررة، وثمار التابعين لهم بإحسان من السالفين الأخيار، زادا وعلاجا لكثير من الانحرافات والتجاوزات التي يشكو منها جلينا اليوم، كما شكت الأجيال السابقة على تفاوت في المقدار.
وهذه الوثيقة التربوية " العمر والشيب " هي بالفعل وثيقة. فإن هذا الكتاب وضعه مصنفه في القرآن الثالث الهجري، وأتى به من فاتحته إلى خاتمته مسندا موصولا، فهو كتاب تراثي مسند، وضع في عصر التصنيف للسنة النبوية، وهو من أزهى العصور الإسلامية قاطبة بالنسبة لتنظيم السنة تصنيفها.
وإن مؤلفه الحافظ الصدوق ابن أبي الدنيا من أقران رجال الكتب الستة.
(البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة)، وقد شاركهم في الرواية عن أغلب شيوخهم، وبهذا يكون هذا الكتاب وثيقة علمية تراثية مسندة.
وهو كذلك أثر تربوي هام باعتبار أن مصنفه من كبار المربين، فقد وقف حياته على صنعة التأديب والتثقيف والتربية، فهو مؤدب أولاد الخلفاء، وعلى يديه تخرج العديد من النبغاء والنبلاء من طلبة العلم. وكيف لا يكون كذلك وقد تأثر تأثرا مباشرا بشيخه الإمام الرباني أحمد بن حنبل، والإمام العالم المؤدب أبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم من المربين.
وقد صنفه في عصر من أكثر العصور نشاطا وحيوية في جمع الأحاديث واستقصائها وتنقيتها، فعملت فيه الخبرة الحديثية والخبرة التربوية عملها، فأثمرت