سعيد بعدهم، فلما ودع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر متقلدا سيفه، متنكبا قوسه، فإذا هو بنفر من المهاجرين، فيهم طلحة والزبير وعلي، فقام عليهم، فتوكأ على قوسه بعدما سلم عليهم، ثم قال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال، فلم يكن منكم أحد إلا وفي فصيلته من يرئسه ويستبد عليه، ويقطع الأمر دونه، ولا يشهده، ولا يؤامره، حتى بعث الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم وأكرم به من اتبعه، فكانوا يرئسون من جاء من بعده، وأمرهم شورى بينهم، يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد، فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم، والناس تبع لهم، وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك، ورده الله إلى من كان يرئسهم. وإلا فليحذروا الغير، فإن الله على البدل قادر، وله المشيئة في ملكه وأمره. إني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا، وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك.
ثم ودعهم ومضى، فقال علي: ما كنت أرى أن في هذا خيرا، فقال الزبير:
لا والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة.
وكان معاوية قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين، انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا. فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ، وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة، لنائبة إن نابت المدينة أو إياك. قال أ: نا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم، وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين، لتغتالن أو لتغزين، قال حسبي الله ونعم الوكيل. وقال معاوية يا أيسار الجزور وأين أيسار الجزور! ثم خرج حتى وقف على النفر، ثم مضى.