عن القوم! ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشئ؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا، ولا نعلم لهذا الأمر أصلا، وما كنت لنأخذ به أحدا فيقيمك على شئ، وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها، ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا علي، فقال:
سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر، فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به، فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم.
وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم، فإنه خير من أن تدعهم.
قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير، والرجلان أعلم بناحيتيهما، قال فما الرأي؟ قال: حسن الأدب، قال: فما ترى يا عمرو؟ قال أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين. إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتها جميعا اللين.
وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت، ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره، التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سده شئ فرفق، فذاك والله ليفتحن، وليست لأحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا، ولا نفسي. ووالله إن رحا الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان