عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٣٢
رب أدخلني الجنة، ثم يقول: أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول: يا رب لا تجعلني أشقاى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له تمن من كذا، فيتمنى ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى حتى تنقطع به الأماني، فيقول له: هاذا لك ومثله معه) قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا: قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع ابي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه إنتهى إلى قوله هذا لك ومثله قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة حفظت مثله معه مطابقته للترجمة في قوله: (ثم يضرب جسر جهنم) وهو الصراط، وإنما قال: الصراط جسر جهنم، لأنه ذكر في: باب فضل السجود ثم يضرب الصراط، فجمع هنا في الترجمة بين اللفظين.
وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة. والآخر: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بفتح الميمين بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، وليس في هذا الطريق ذكر سعيد، وساق الحديث علي هذا الطريق. والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله. وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب. وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن سليمان وفي التفسير عن عيسى ابن حماد وغيره.
قوله: (يوم القيامة) أشار به إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسبب هذا السؤال أنه لما ذكر الحشر والقول: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، وقول المسلمين: هذا مكاننا حتى نرى ربنا يوم القيامة. قوله: (هل تضارون؟) بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء المضمومة من الضر، وأصله: تضارون، بصيغة المعلوم أي: هل تضرون أحدا، ويجوز بصيغة المجهول، أي: هل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة، وفيه وجه ثالث وهو: وهل تضارون، بالتخفيف من الضير بمعنى الضر، يقال: ضاره يضره إذا ضره وأصله: تضيرون بضم أوله وسكون الضاد وفتح الياء وضم الراء استثقلت الفتحة على الياء لسكون ما قبلها فألقيت حركتها على الضاد وقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، وفيه وجه آخر وهو: وهل تضامون، بضم أوله وتشديد الميم، وقال ابن الأثير: وفي حديث الرؤية: لا تضامون، يروى بالتشديد والتخفيف، فالتشديد معناه: لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه، ويجوز ضم التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون، ومعنى التخفيف. لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض، والضيم الظلم، والحاصل أن المادة في هذه الأوجه أربع مواد: الضر والضير والضيم والضم، فالمتأمل فيها يقف عليها ووقع في رواية للبخاري: لا تضامون أو تضاهون بالشك ومعناه: لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا. وفي رواية شعيب تقدمت في: باب فضل السجود: هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي: هل تجادلون في ذلك. أو: هل يدخلكم فيه شك، من المرية وهي الشك. قوله: (في الشمس) ذكرها ثم ذكر القمر وخصهما بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظم النور والضياء، وحكى بعضهم عن بعض: أن الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل عليه السلام، واستدل به الخليل على إثبات الوحدانية، واستدل به نبينا صلى الله عليه وسلم، على إثبات الرؤية. انتهى.
قلت: الابتداء بذكر القمر في رواية مسلم وفي رواية البخاري ذكر الشمس مقدم على الأصل. فإن قلت: لا بد من الجهة بين الرائي والمرئي.
قلت: قال الكرماني: لا يلزم منه المشابهة في الجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلا، وقال ابن الأثير: قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف تشبيه للمرئي، وهو غلط، وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه: أنها رؤية يزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر، وقيل: التشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»