عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٢٧
في بقية المواضع، وفي رواية حذيفة: لست بصاحب ذاك. قوله: (ويذكر خطيئته) زاد مسلم التي أصاب، وزاد همام في روايته أكله من الشجرة وقد نهي عنها، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قد أخرجت بخطيئتي في الجنة، وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد: وإني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور: إني أخطأت وأنا في الفردوس وإن يغفر لي اليوم حسبي. قوله: (أول رسول بعثه الله) قيل: آدم عليه السلام، أول الرسل لا نوح، وكذا شيث وإدريس وهما قبل نوح عليه السلام. وأجاب الكرماني بأنه مختلف فيه، ويحتمل أن يقال: المراد هو أول رسول أنذر قومه الهلاك، أو أول رسول له قوم. انتهى.
قلت: في كل من الأجوبة الثلاثة نظر أما الأول: فلأن آدم عليه السلام، رسول قد أرسل إلى أولاد قابيل ونزل عليه إحدى وعشرون صحيفة أملأها عليه جبريل عليه السلام، وكتبها بخطه بالسريانية وفرض عليه في اليوم والليلة خمسون ركعة وحرم عليه الميتة والدم ولحم الخنزير والبغي والظلم والغدر والكذب والزنا. وأما الثاني: فإن آدم أيضا أنذر أولاده مما فيه الهلاك وأوصى بذلك عند موته. وأما الثالث: فلأن آدم أيضا له قوم. وعن ابن عباس: إن آدم عليه السلام، لم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا فرأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد ونهاهم. قوله: (ويذكر خطيئته) أي: ويذكر نوح عليه السلام، خطيئته وهي دعوته على قومه بالهلاك، وقال الغزالي في (كشف علوم الآخرة): إن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحا ألف سنة، وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: ولم أقف لذلك على أصل، ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا تغتر بشيء منها. انتهى.
قلت: جلالة قدر الغزالي ينافي ما ذكره، وعدم وقوفه لذلك على أصل لا يستلزم نفي وقوف غيره على أصل، ولم يحط علم هذا القائل بكل ما ورد وبكل ما نقل حتى يدعي هذه الدعوى. قوله: (ائتوا إبراهيم) إلى قوله: (ويذكر خطيئته) وهي معاريضه الثلاث وهي قوله: * (بل فعله كبيرهم) * (الأنبياء: 36) في كسر الأصنام وقوله لامرأته: * (أنا أخوك) * وقوله: * (إني سقيم) * (الصافات: 98) وقال صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم عليه السلام، إلا ثلاث كذبات كلها في الله قوله: * (إني سقيم) * وقوله: * (بل فعله كبيرهم) * (الأنبياء: 36) وقوله لسارة (هي أختي) رواه الإمام أحمد والبزار. قوله: (أئتوا موسى عليه السلام) إلى قوله: (خطيئته) هي قتل القبطي. قوله: (فيأتونه) وفي رواية مسلم: فيأتون عيسى عليه السلام، ولم يذكر ذنبا، وفي حديث أبي نضرة عن أبي سعيد إني عبدت من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه، وزاد: وإن يغفر لي اليوم حسبي. قوله: (فيأتوني) وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه: حدثني نبي الله، قال: إني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال: يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جميع الأمم حيث يشاء، لغم ما هم فيه، وهذا يدل على أن الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار. قوله: (فأستأذن) وفي رواية هشام: فأنطلق حتى أستأذن، قال عياض: أي في الشفاعة، وفي رواية قتادة عن أنس: آتي باب الجنة فاستفتح، فيقال: من هذا؟ فأقول محمد، فيقال: مرحبا بمحمد. وفي حديث سليمان: فآخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال: من هذا؟ فيقول: محمد، فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له. قوله: (وقعت ساجدا) نصب على الحال، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا. قوله: (فيدعني) أي: في السجود (ما شاء الله) وفي حديث أبي بكر الصديق: فيخر ساجدا قد قدر جمعة. قوله: (ثم يقول لي) أي: ثم يقول الله لي، وفي رواية النضر بن أنس: فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام، أن أذهب إلى محمد فقل له: إرفع رأسك، فعلى هذا معنى قوله: ثم يقول لي على لسان جبريل عليه السلام. قوله: (فيحد لي حدا) أي: يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا، أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول لي: شفعتك فيمن أخل بالجماعة، ثم فيمن أخل بالصلاة، ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى، وعلى هذا الأسلوب كذا حكاه الطيبي. قوله: (ثم أخرجهم من النار) قال الداودي: كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله، وذلك في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار، يعني ذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار، ثم تقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج، وهو إشكال قوي، وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره: بأنه قد وقع في
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»