المرئي سبحانه وتعالى، وقيل: التمثيل وقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة، ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج، وهو جهل منهم، فقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين.
قلت: روي في إثبات الرؤية حديث الباب وعن نحو عشرين صحابيا. منهم: علي وجرير وصهيب وأنس رضي الله تعالى عنهم. قوله: (كذلك) أي واضحا جليا بلا مضارة ولا مزاحمة. قوله: (يجمع الله الناس) وفي رواية شعيب: يحشر الله الناس في مكان، وزاد في رواية العلاء. في صعيد واحد، ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ: يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر بالذال أي: يخرقهم بالخاء المعجمة والقاف حتى يجوزهم، وقيل بالدال المهملة أي: يستوعبهم، وروى البيهقي في (الشعب): إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم... الحديث. وفي حديث أبي سعيد رواه أحمد بسند جيد: أنه يخفف الوقوف على المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة، ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة: كتدلي الشمس للغروب إلى الغروب. قوله: (فيتبع من كان يعبد الشمس) التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما. قوله: (الطواغيت) جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا، ويطلق أيضا على رؤساء الضلال، وقال الجوهري: الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال، وقد يكون واحدا قال تعالى: * (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) * (النساء: 06) وقد يكون جمعا قال تعالى: * (أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم) * (البقرة: 752) والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت، فهو مقلوب لأنه من طغى، ولاهوت غير مقلوب لأنه من: لاه، بمنزلة الرغبوت والرحموت انتهى. واعترض عليه بأنه ليس يجمع عند المحققين من أهل العربية لأنه مصدر كالرهبوت والرحموت وأصله: طغيوت، فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وإذا ثبت أنها في الأصل مصدر بمعنى الطغيان ثبت أنها اسم مفرد، وإنما جاء الضمير العائد عليها جمعا في قوله تعالى: * (يخرجونهم) * (البقرة: 752) لكونها جنسا معرفا بلام الجنس. قوله: (وتبقى هذه الأمة) قيل: يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل فيها جميع أهل التوحيد حتى الجن، يدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر.
قلت: الإشارة بقوله: (هذه الأمة) ينافي تناوله لغير أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: يدل عليه ما في بقية الحديث، ليس كذلك لأن هذا في حديث أبي سعيد الخدري في رواية مسلم. قوله: (منافقوها)، ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم فاختلطوا بهم في ذلك اليوم حتى يضرب: * (بينهم بسور له باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) * (الحديد: 31) قوله: (فيأتيهم الله) المراد من الإتيان التجلي وكشف الحجاب، وقيل: الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه، فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا، وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمة الحدود. وقيل: فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله. قوله: (في غير الصورة التي يعرفون) الصورة من المشابهات والأمة فيها فرقتان المفوضة والمأولة فمن أوله قال: المراد من الصورة الصفة، أو آخراج الكلام على سبيل المطابقة. قوله: (يعرفون). فإن قلت: لم يتقدم لهم رؤية فكيف يعرفون؟.
قلت: إنما عرفوه في الدنيا بالصفة أي: بوصف الأنبياء لهم، وقيل: يخلق الله فيهم علما، وقيل: يصير جميع المعلومات ضروريا. قوله: (نعوذ بالله منك) قال الخطابي: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين. قال عياض: هذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به، وقال النووي: الذي قاله عياض صحيح، ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه، وقال ابن الجوزي: معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا، فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، أي: إذا أتانا بما نعرفه بالصورة وهي الصفة. فإن قلت: ما الحكمة في إتيانه بغير الصورة التي كانوا يعرفونه؟.
قلت: للامتحان، وقيل: يحتمل أن يأتيهم بصور مختلفة فيقول: أنا ربكم على وجه الامتحان. قوله: