(فيقولون أنت ربنا) قيل: فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا، والعلم عند الله عز وجل. وقال الخطابي: هذه الرؤية غير الرؤية التي تقع في الجنة إكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام. فإن قلت: الامتحان من التكليف ولا تكاليف يوم القيامة؟.
قلت: آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو في النار. وقال الطيبي: لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منهما ما يخص بالأخرى. فإن القبر أو منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره. قوله: (ويضرب جسر جهنم) هو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وفي مسلم قيل: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتخذ فيها شويكة يقال لها: السعدان. قوله: (من يجيز) من أجزت الوادي وجزته بمعنى: مشيت عليه وقطعته، وقيل: معناه لا يجوز أحد على الصراط حتى يجوز هو صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط. قوله: (وبه كلاليب) جمع كلوب كتنور والضمير في: به، يرجع إلى الجسر، وفي رواية شعيب: وفي جهنم كلاليب، وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به. قوله: (مثل شوك السعدان) بلفظ التثنية وهو جمع سعدانة وهو نبت ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه، قالوا: مرعى ولا كالسعدان. قوله: (أما رأيتم شوك السعدان؟) هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة. قوله: (غير أنها) أي: الشوكة، وفي رواية الكشميهني: غير إنه، والضمير للشأن. قوله: (لا يعلم قدر عظمها إلا الله) وفي رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، وقال ابن التين: قرأناه بضم العين وسكون الظاء، وفي رواية أخرى بكسر العين وفتح الظاء وهو أشبه لأنه مصدر، وقال الجوهري: عظم الشيء عظما، أي : كبر فتقديره لا يعلم قدر كبرها إلا الله، وعظم الشيء أكثره. قوله: (فتخطف) بفتح الطاء وكسرها، وقال ثعلب في (الفصيح): خطف، بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع، وحكى الفراء عكسه والكسر، في المضارع أفصح. قوله: (بأعمالهم) يتعلق بقوله: (تخطف) والباء فيه للسببية نحو: * (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) * (البقرة: 45) * (فكلا أخذنا بذنبه) * (العنكبوت: 04) قوله: (فمنهم الموبق) هذا تفسير لما قبله من قوله: (بأعمالهم) أي: فمن الناس الموبق بضم الميم وفتح الباء الموحدة أي: المهلك بسبب عمله السيء، يقال: وبق يبق ووبق يوبق فهو وبق، وأوبقه غيره فهو موبق، ورواية شعيب: فمنهم من يوبق، أي: يهلك، وفي رواية لمسلم: فمنهم الموثق، بالثاء المثلثة المفتوحة من الوثاق، وفي رواية الأصيلي، ومنهم المؤمن، بكسر الميم بعدها نون يقي بعمله بفتح الياء آخر الحروف وكسر القاف من الوقاية أي: يستره عمله. قوله: (ومنهم المخردل) بالخاء المعجمة، قال الكرماني: المخردل المصروع وما قطع أعضاؤه أي جعل كل قطعة منه بمقدار خردلة، وقال ابن الأثير: المخردل المرمي المصروع، وقيل: المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار، يقال: خردلت اللحم بالدال والذال أي: فصلت أعضاءه وقطعته، وفي رواية شعيب: ومنهم من يخردل، على صيغة المجهول، ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم من الجردلة وهي الإشراف على السقوط، وكذا وقع لأبي أحمد الجرجاني وفي رواية شعيب وهاه عياض والدال مهملة للجميع، وحكى أبو عبيد فيه إعجام الدال، ورجح صاحب (المطالع): الخاء المعجمة والدال المهملة، وفي رواية مسلم: ومنهم المجازي حتى ينجى. قوله: (ثم ينجو) من النجاة، وفي رواية إبراهيم بن سعد: ثم ينجلي، بالجيم أي: يبين، ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة. أي: يخلى عنه وهو الأشبه. قوله: (حتى إذا فرغ الله) الفراغ الخلاص من المهام وهو محال على الله تعالى، والمراد إتمام الحكم بين العباد. قوله: (أن يخرج) بضم الياء من الإخراج. قوله: (من أراد) مفعول. (أن يخرج). قوله: (أمر الملائكة أن يخرجوهم) أي: أن يخرجوا من كان يشهد أن لا إله إلا الله، وفي حديث أبي سعيد: حتى إذا فرغ من القضاء. بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله. قوله: (بعلامة آثار السجود) أثر السجود هو الجبهة، ويحتمل أن يراد الأعظم السبعة. قوله: (وحرم الله على النار) هو جواب عن سؤال مقدر تقديره: كيف يعرفونهم بأثر السجود، مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم: فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة. حاصل المعنى: أن الله عز وجل يخصص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها هذا الخبر، وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن. قوله: (قد امتحشوا). على صيغة المجهول من الامتحاش بالحاء المهملة