4563 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح قال حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. (انظر الحديث 664 وطرفه).
هذا الحديث قد مضى في كتاب الصلاة في: باب الخوخة والممر في المسجد، وقد أخرجه عن محمد بن سنان كما ذكرناه الآن، وهو يروى عن فليح، وهنا أخرجه: عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن أبي عامر العقدي، واسمه عبد الملك بن عمرو البصري عن فليح، بضم الفاء: ابن سليمان الخزاعي وكان اسمه عبد الله، وفليح لقبه، وهو يروي عن سالم أبي النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: القرشي التيمي المدني عن بسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة: ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة عن أبي سعيد الخدري، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بين الدنيا وبين ما عنده)، وفي لفظ: (بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده). قوله: (وكان أبو بكر أعلمنا به) أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إن من أمن الناس)، ويروي: (إن أمن الناس). قوله: (أبا بكر)، بالنصب في رواية الأكثرين، وروي: أبو بكر، بالرفع وتكلم الشراح في وجه الرفع بالتعسفات فلا يحتاج إلى ذلك، بل وجه الرفع إن صح على رواية: (إن أمن الناس)، بدون لفظة: من، ولفظ: أمن، أفعل تفضيل من المن وهو العطاء والبذل، والمعني: إن أبذل الناس لنفسه وماله، لا من المنة. وروى الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ: (ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله تعالى يوم القيامة). وروى الطبراني من حديث ابن عباس: (ما أحد أعظم مني يدا من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته). وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه: إن أعظم الناس علينا منا أبو بكر، زوجني ابنته وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالا أبو بكر أعتق بلالا وحملني إلى دار الهجرة، أخرجه ابن عساكر، وجاء عن عائشة مقدار المال الذي أنفقه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فروى ابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين ألف درهم، وروي عن الزبير بن بكار عن عروة عن عائشة، أنه: لما مات أبو بكر ما ترك دينارا ولا درهما. قوله: (ولو كنت متخذا خليلا) قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز لأحد منهم أن يقول: أنا خليل النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول: إبراهيم خليل الله، ولا يقال: الله خليل إبراهيم. واختلف في معنى الخلة واشتقاقها، فقيل: الخليل المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس في انقطاعه إليه ومحبته له اختلال، وقيل: الخليل المختص، واختار هذا القول غير واحد، وقيل: أصل الخلة الاستصفاء، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه يوالي فيه ويعادي فيه، وخلة الله له نصره، وجعله إماما لمن بعده، وقيل: الخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع، مأخوذ من الخلة وهي الحاجة، فسمي إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، خليلا لأنه قصر حاجته على ربه وانقطع إليه بهمه، ولم يجعله قبل غيره. وقال أبو بكر بن فورك: الخلة صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار، وقيل: أصل الخلة المحبة، ومعناها: الإسعاف والإلطاف، وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لسواه.
واختلف العلماء أرباب القلوب أيهما أرفع درجة: درجة الخلة أو درجة المحبة؟ فجعلهما بعضهم سواء، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا يكون الخليل إلا حبيبا، لكنه خص إبراهيم بالخلة ومحمد، عليهما السلام، بالمحبة، وبعضهم قال: درجة الخلة أرفع، واحتج بقوله، صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا غير ربي، فلم يتخذه وقد أطلق، صلى الله عليه وسلم،