عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٧١
الثالث. ووقع في حديث جعدة بن هبيرة، ورواه ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع، ولفظه: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردى، ورجاله ثقات إلا أن جعدة بن هبيرة مختلف في صحبته. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا، ولن يخزى الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها، وروى ابن عبد البر من حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، رفعه: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني. قلت: لا يقاوم المسند الصحيح والثاني ضعيف. قوله: (ثم إن من بعدكم قوما) بنضب قوما عند الأكثرين، ويروى: قوم، بالرفع قال بعضهم: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، ويحتمل أن يكون: إن، تقريرية بمعنى: نعم، وفيه بعد وتكلف. انتهى. قلت: الاحتمال الأول أبعد من الثاني، والوجه فيه أن يكون ارتفاع قوم على تقدير صحة الرواية بفعل محذوف تقديره: أن بعدكم يجيء قوم، قوله: (يشهدون ولا يستشهدون) معناه: يظهر فيهم شهادة الزور. قوله: (ويخونون ولا يؤتمنون) قيل: يطلبون الأمانة، ثم يخونون فيها، وقيل: ليسوا ممن يوثق بهم. قوله: (وينذرون) بضم الذال وكسرها. قوله: (ويظهر فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم، قيل: معناه يكثرون بما ليس فيهم من الشرف، وقيل: يجمعون الأموال من أي وجه كان، وقيل: يغفلون عن أمر الدين ويقللون الاهتمام به، لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه وقالوا: المذموم منه ما يتكسبه، وأما الخلقي فلا.
1563 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته. قال إبراهيم وكانوا يضربونا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: ابن قيس بن عمرو السلماني، بفتح السين وسكون اللام: المرادي، قال العجلي: هو جاهلي أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين وكان أعور.
والحديث بعينه بهذا الإسناد والمتن مضى في الشهادات في: باب لا يشهد على شهادة جور، وهذا مكرر حقيقة، غير أن هنا لفظ: ونحن صغار، ليس هناك.
قوله: (ويمينه شهادته) أي: ويسبق يمينه شهادته، قيل: هذا دور، وأجيب بأن المراد بيان حرصهم على الشهادة وترويجها يحلفون على ما يشهدون به، فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، أو هو مثل في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما حتى لا يدري بأيهما يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته في الدين. قوله: (يضربونا) وروى يضربوننا، أي: على الجمع بين اليمين والشهادة، والمراد من العهد هنا اليمين.
2 ((باب مناقب المهاجرين وفضلهم)) أي: هذا باب في بيان مناقب المهاجرين، والمناقب جمع منقبة، وهو ضد المثلبة والمهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة إلى الله تعالى، وقيل: المراد بالمهاجرين من عدا الأنصار، ومن أسلم يوم الفتح وهلم جرا، فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم، وسقط لفظ:
باب في رواية أبي ذر.
منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي رضي الله تعالى عنه أي: من المهاجرين ومن سادتهم أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، وجزم البخاري بأن اسمه: عبد الله، وهو المشهور، وفي (التلويح): كان اسمه في الجاهلية: عبد الكعبة، وسمي في الإسلام: عبد الله، وكانت أمه تقول:
* يا رب عبد الكعبة * استمع به يا ربه * * فهو بصخر أشبه * وصخر اسم أبي أمه، واسمها: سلمى بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»