مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صلى العشاء، وفيما تقدم في: باب السمر مع الأهل: ثم لبث حتى صليت العشاء الآخرة وكذا في رواية مسلم. قوله: (ثم رجع) ثم رجع أبو بكر إلى منزله، هذا الذي يفهم من ظاهر الرواية، والرواة ما اتفقوا على هذا، لأن في رواية الإسماعيلي: ثم ركع، بالكاف، أي: ثم صلى النافلة، والحاصل على هذا أن أبا بكر مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم صلى النافلة فلبث أبو بكر عنده حتى تعشى أو حتى نعس، يعني أخذ في النوم على ما نذكره الآن. قوله: (فلبث) معناه: فلبث عند النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن رجع إليه حتى تعشى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مسلم: ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من النعاس الذي هو مقدمة النوم، وقال بعضهم: شرح الكرماني: يعني هذا الموضع بأن المراد: أنه لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث في منزله إلى وقت صلاة العشاء، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلبث عنده حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يصح، لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب: وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. قلت: لم يقل الكرماني هذا مثل الذي ذكره، وإنما قال فإن قلت: هذا يشعر بأن التعشي عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الرجوع إليه وما تقدم بأنه كان بعده قلت: الأول: بيان حال أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله، والثاني: هو سوق القصة على الترتيب الواقع. أو الأول: تعشى الصديق والثاني تعشى الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو الأول: من العشاء، بكسر العين، والثاني: منه بفتحها. انتهى. هذا لفظ الكرماني فلينظر المتأمل هل نسبة هذا القائل عدم الصحة إلى الكرماني صحيحة أم لا؟ وحل تركيب هذا الحديث يحتاج إلى دقة نظر وتأمل كثير. قوله: (أو ضيفك)، شك من الراوي، وعلى هذا فالضيف كانوا ثلاثة فكيف قال بالإفراد؟ فكأنه أشار إلى أن الضيف اسم جنس يطلق على القليل والكثير، وقال الكرماني: أو الضيف، مصدر يتناول المثنى والجمع. قلت: لا يصح هذا الفساد المعنى. قوله: (أوعشيتهم؟) وفي رواية الكشميهني: أو ما عشيتهم؟ بزيادة: ما النافية، وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، ويروى: أوعشيتهم، بالياء الساكنة بعد تاء الخطاب. قوله: (قالت: أبوا)، أي: امتنعوا إلى أن تجيء رفقا به لظنهم أنه لا يجد عشاء فصبروا حتى يأكل معهم. قوله: (قد عرضوا)، بفتح العين أي: قد عرض الأهل والخدم. قوله: (فغلبوهم)، أي: إن آل بكر، رضي الله تعالى عنه، عرضوا على الأضياف العشاء فامتنعوا، فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم، وبقية الكلام مرت في: باب السمر مع الأهل. قوله: (فذهبت)، أي: قال عبد الرحمن: فذهبت، وفي رواية مسلم: قال: فذهبت أنا. قوله: (فاختبأت)، أي: اختفيت خوفا منه. قوله: (فقال: يا غنثر)، بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الثاء المثلثة وفي آخره راء: معناه الجاهل، وقيل: غنثر الذباب، وأراد به التغليظ عليه حيث خاطبه بشيء فيه التحقير، وقد مر في الصلاة كلام كثير فيه فليرجع إليه هناك. قوله: (فجدع) أي: جدع أبو بكر، بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة وفي آخره عين مهملة: أي: دعا بالجدع، وهو قطع الأنف والأذن ونحو ذلك. قوله: (وسب)، أي: شتم ظنا منه أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف. قوله: (وقال: كلوا)، أي: قال أبو بكر: كلوا، وفي رواية الصلاة: كلوا لا هنيئا، وكذا في رواية مسلم، إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما هو خبر أي: لم تهنوا به في وقته. قوله: (فقال: لا أطعمه أبدا)، وقال القرطبي: كل ذلك من أبي بكر على ابنه ظنا منه أنه فرط في حق الأضياف، فلما تبين له أن ذلك كان من الأضياف أدبهم. بقوله: كلوا لا هنيئا، وحلف أن لا يطعمه، وفي رواية الجريري، فقال: إنما انتظرتموني؟ والله لا أطعمه أبدا، فقال الآخرون: والله لا نطعمه أبدا حتى تطعمه، وفي رواية أبي داود من هذا الوجه: فقال أبو بكر: فما منعكم؟ قالوا: مكانك. قال: والله لا أطعمه أبدا، ثم اتفقا، فقال: لم أر من الشر كالليلة، ويلكم؟ ما أنتم؟ لم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك. فوضع فقال: بسم الله الأولى من الشيطان فأكل وأكلوا. قوله: الأولى من الشيطان، أراد به يمينه. قال القاضي: وقيل: معناه اللقمة الأولى من أجل قمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين، وقال النووي: فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. قوله: (وأيم الله) أي: قال عبد الرحمن: وأيم الله، هذا من ألفاظ اليمين وهو مبتدأ وخبره محذوف، أي: وأيم الله قسمي، وهمزته همزة وصل لا يجوز قطعه عند الأكثرين، وقد أطلنا الكلام فيه في التيمم في: باب
(١٢٥)