عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٣٠
الباب أو يكسر قال لا بل يكسر قال ذاك أحرى أن لا يغلق قلنا علم الباب قال نعم كما أن دون غد الليلة إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله وأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب قال عمر..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية بعده، وهذا أيضا معجزة من معجزاته.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن محمد بن بشار وابن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي أبو عمرو البصري، واسم أبي عدي إبراهيم عن شعبة. والثاني: عن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي عن محمد بن جعفر الذي يقال له غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان العبسي. والحديث مر في أول كتاب مواقيت الصلاة في: باب الصلاة كفارة، عن مسدد عن يحيى ابن سعيد، وفي الزكاة عن قتيبة ومضى الكلام فيه هناك فلنذكر بعض شيء.
قوله: (في الفتنة)، المراد بالفتنة ما يعرض للإنسان من الشر أو أن يأتي لأجل الناس بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه. قوله: (هات)، تقول: هات يا رجل بكسر التاء، أي: أعطني، وللأثنين: هاتيا مثل: آتيا، وللجمع: هاتوا، وللمرأة: هاتي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هاتين، مثل: عاطين. قال الخليل: أصل هات من: آتي يؤتي، فقلبت الألف: هاء. قوله: (لجرىء) من الجراءة، وهو الإقدام على الشيء من غير تخوف. قوله: (فتنة الرجل في أهله)، بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار. قوله: (وماله)، أي: وفي ماله بالاشتغال به عن العبادة وبحبسه عن إخراج حق الله تعالى. قوله: (وجاره)، أي: وفي جاره بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق، وإنما خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم، وذكر هنا ثلاثة أشياء ثم إنه ذكر ثلاثة أشياء تكفرها، فذكر من عبادة الأفعال: الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: (ليست هذه)، أي: ليست الفتنة التي أريدها هذه ولكن أريد الفتنة التي تموج كموج البحر، وموج البحر يكون عند اضطرابه وهيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. وقوله: (الفتنة) منصوب بلفظ أريد المقدر. قوله: (يا أمير المؤمنين) أي: قال حذيفة لعمر، رضي الله تعالى عنه، يا أمير المؤمنين: (لا بأس عليك منها)، أي: من هذه الفتنة التي تموج كموج البحر. قوله: (إن بينك وبينها) أي: وبين هذه الفتنة بابا مغلقا، يعني: لا يخرج منها شيء في حياتك، وفيه تمثيل الفتن بالدار، وحياة عمر بالباب الذي لها مغلق، وموته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فالباب مغلق لا يخرج منها شيء، فإذا مات فقد انفتح الباب فخرج ما في تلك الدار. قوله: (قال: لا بل يكسر)، أي: قال حذيفة: لا يفتح، بل: يكسر. قوله: (قال ذلك) أي: قال عمر: ذلك أحرى، أي: أجدر، قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح فأما ما انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر. انتهى. وقيل: إنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة، وقد وافق حذيفة على روايته هذه أبو ذر، فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه: لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة، وفيه: أن أبا ذر. قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم، وأشار إلى عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (إني حدثته)، من بقية كلام حذيفة. قوله: (بالأغاليط)، جمع أغلوطة وهو ما يغالط به، يعني: حدثته حديثا صدقا محققا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا عن اجتهاد، ولا عن رأي. قوله: (فهبنا أن نسأله)، من كلام أبي وائل، أي: خفنا أن نسأل حذيفة وأمرنا مسروق بن الأجدع فسأله أي: فسأل مسروق حذيفة، ومسروق من كبار التابعين ومن أخصاء أصحاب حذيفة، وعبد الله بن مسعود وغيرهما من كبار الصحابة، وفي ذلك ما يدل على حسن تأدبهم مع كبارهم.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»