عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٢١
فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فأدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس، وقد اتفقت الطرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن إسماعيل وفي النذور عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى ابن يحيى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن إسحاق بن موسى. وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (ضعيفا أعرف فيه الجوع) فيه العمل بالقرائن، وفي رواية أحمد عن أنس: أن أبا طلحة رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم طاويا، وفي رواية أبي يعلى عن أنس: أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم طعام، فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير، فعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به. وفي رواية مسلم عن أنس، قال: رأى أبو طلحة رسول الله، صلى الله عليه وسلم مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن، وفي رواية لمسلم عن أنس، قال: جئت رسول الله، صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع. فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته، فدخل على أم سليم، فقال: هل من شيء... الحديث، وفي رواية أبي نعيم عن محمد بن كعب عن أنس: جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء فإني مررت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع. قوله: (فأخرجت أقراصا من شعير). وعند أحمد من رواية محمد ابن سيرين عن أنس قال: عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته. وفي رواية للبخاري تأتي عن أنس: أن أمه أم سليم عمدت إلى مد من شعير جرشته ثم عملته، وفي رواية لأحمد ومسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس: أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع طعاما. فإن قلت: ما وجه هذا الاختلاف؟ قلت: لا منافاة لاحتمال تعدد القصة: أو أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، وقيل: يمكن أن يكون الشعير من الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعياله وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ولاثتني)، من الإلتياث، وهو الالتفات، ومنه: لاث العمامة على رأسه أي: عصبها وأصله من: اللوث، بالثاء المثلثة وهو اللف ومنه: لاث به الناس إذا استداروا حوله، والحاصل أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على أبطه، وفي الأطعمة للبخاري: عن إسماعيل بن أويس عن مالك في هذا الحديث: فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه، يقال: دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة. قوله: (قال: فذهبت به)، أي: قال أنس: فذهبت بالخبز الذي أرسله أبو طلحة وأم سليم. قوله: (أرسلك أبو طلحة). بهمزة ممدودة للاستفهام على وجه الاستخبار. قوله: (فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمن معه) أي: من الصحابة: (قوموا) ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله، فلذلك قال لمن معه: قوموا. فإن قلت: أول الكلام يقتضي أن أبا طلحة وأم سليم أرسلا الخبز مع أنس. قلت: يجمع بينهما بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيى وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل. وهنا وجه آخر، وهو أنه: يحتمل أن يكون ذلك على رأي من أرسله عهد إليه أنه إذا رأى كثيرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم، وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء، وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يأكل وحده، وروايات مسلم تقتضي: أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس: بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه، وقد جعل له طعاما، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»