في أربعة مواضع. وفيه: السماع، وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن أشعث: سمعت أبي. وفيه: رواية الابن عن الأب في موضعين. وفيه: شيخه مذكور بلقبه وأنه مروزي أصله من البصرة، وأبوه بصري وشعبة واسطي والثلاثة البقية كوفيون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية، فإن أبا الشعثاء روى عن حديفة وأبي هريرة.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم في الصلاة عن هناد عن أبي الأحوص، وأخرجه النسائي فيه عن ابن بشار عن غندر، ولم يذكر قصة اليهودية.
ذكر معناه: قوله: (قال: نعم عذاب القبر حق)، كذا هو في رواية الحموي والمستملي، وفي رواية الأكثرين: (عذاب القبر) فقط بدون لفظ حق، وقال بعضهم:
رواية المستملي ليست بجيدة لأن المصنف قال عقيب هذا الطريق: زاد غندر (عذاب القبر حق)، فبين أن لفظة: حق، ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر يعني عن شعبة وهو كذلك، وقد أخرج طريق غندر النسائي والإسماعيلي كذلك. قلت: قوله: (زاد غندر: عذاب القبر حق) ليس بموجود في كثير من النسخ، ولئن سلمنا وجود هذا فلا نسلم أنه يستلزم حذف الخبر، مع أن الأصل ذكر الخبر، وكيف ينفي الجودة من رواية المستملي مع كونها على الأصل؟ فماذا يلزم من المحذور إذا ذكر الخبر في الروايات كلها. قوله: (بعد)، مبني على الضم، أي: بعد ذلك. قوله: (إلا تعوذ) أي: إلا صلاة تعوذ فيها، وقد تقدم في: باب التعوذ من عذاب القبر، في الكسوف من طريق عمرة (عن عائشة أن يهودية جاءت تسألها، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر؟ فسألت عائشة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك، ثم ركب ذات غداة مركبا فخسفت الشمس...) الحديث ووقع عند البخاري أيضا من رواية أبي وائل عن مسروق، في الدعوات (دخل عجوزان عن عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم)، والتوفيق بين الروايتين من حيث إن إحداهما تكلمت وأقرتها الأخرى، على ذلك، فنسب القول إليهما مجازا. فإن قلت: روى مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة (عن عائشة، قالت: دخلت على امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنما تفتن يهود، قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟ قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر)، فهذه الرواية مخالفة للرواية الأولى. قلت: قال الطحاوي: هما قضيتان سمع اليهودية فقال: إنما تفتن اليهود، ثم أعلم بذلك ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة أخرى فذكرت لعائشة ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته. وقال الكرماني، رحمه الله: يحتمل أنه كان يتعوذ قبل ذلك سرا. ولما رأى استغرابها حيث سمعت من اليهودية أعلن ليترسخ ذلك في عقائد أمته ويكونوا على حذر من فتنته. قلت: كأنه لم يطلع على رواية ابن شهاب المذكورة من (صحيح مسلم) فلذلك ذكر ما ذكره بالاحتمال، ووقع صريحا بأنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده علم بعذاب القبر لهذه الأمة، وهو ما رواه أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح على شرط البخاري: عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي (عن عائشة، رضي الله تعالى عنها: أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله تعالى عذاب القبر، قالت: فقلت: يا رسول الله! هل للقبر عذاب؟ قال: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة، ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق). وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر. فإن قلت: الآية، أعني قوله تعالى: * (يثبت الله الذين آمنوا) * (إبراهيم: 72). مكية، وكذلك قوله تعالى: * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) * (غافر: 64). قلت: أجيب بأن عذاب القبر يؤخذ من الآية الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان، وكذا بالمنطوق وفي الآية الثانية في حق آل فرعون، والتحق بهم من كان له حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين، ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من شاء الله منهم، فجزم به وحذر منه وبالغ في الاستعاذة منه، تعليما لأمته، وإرشادا، فزال التعارض، والله أعلم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن عذاب القبر حق وأنه ليس بخاص بهذه الأمة. وفيه: جواز التحدث عن أهل الكتاب