عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٠٨
أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات..) الحديث. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم) وفي رواية الكشميهني: (كان يدعو ويقول: اللهم) إلى آخره. قوله: (ومن عذاب النار) تعميم بعد تخصيص، كما أن: (ومن فتنة المسيح الدجال) تخصيص بعد تعميم، والمحيا والممات مصدران ميميان، ويجوز أن يكونا اسمي زمان. قال الكرماني: فإن قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن عن فتنة الدجال ونحوها، فما الفائدة فيه؟ قلت: نفس الدعاء عبادة، كقوله: اللهم اغفر لي، مع كونه مغفورا له، أو لتعليم الأمة والإرشاد لهم.
88 ((باب عذاب القبر من الغيبة والبول)) أي: هذا باب في بيان عذاب القبر الحاصل من أجل الغيبة، وكلمة: من، للتعليل، و: الغيبة، بكسر الغين المعجمة: أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه، فإذا ذكرته بما ليس فيه فهو بهت وبهتان، والغيب والغيبة، بفتح الغين: كل ما غاب عن العيون سواء كان محصلا في القلوب أبو غير محصل، تقول: غاب عنه غيبا وغيبة. قوله: (والبول)، عطف على ما قبله، والتقدير: وبيان عذاب القبر من أجل البول أي: من أجل عدم استنزاهه منه، كما ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) فإن قلت: عذاب القبر غير مقتصر على الغيبة والبول، فما وجه الاقتصار عليهما؟ قلت: تخصيصهما بالذكر لعظم أمرهما لا لنفي الحكم عما عداهما.
8731 حدثنا قتيبة قال حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله. قال ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنتين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا.
.
الترجمة مشتملة على شيئين: الغيبة والنميمة، ومطابقة الحديث للبول ظاهرة، وأما الغيبة فليس لها ذكر في الحديث، ولكن يوجه بوجهين: أحدهما: أن الغيبة من لوازم النميمة لأن الذي ينم ينقل كلام الرجل الذي اغتابه، ويقال: الغيبة والنميمة أختان، ومن نم عن أحد فقد اغتابه. قيل: لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها، لأن مفسدة النميمة أعظم وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق. قلنا: لا يلزم من اللحاق وجود المساواة، والوعيد على الغيبة التي تضمنتها النميمة موجود، فيصح الإلحاق لهذا الوجه. الوجه الثاني: أنه وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغيبة، وقد جرت عادة البخاري في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث. فافهم، وقد مر هذا الحديث في: باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، في كتاب الوضوء، فإنه أخرجه هناك عن عثمان عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وهنا أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير عن سليمان الأعمش عن مجاهد عن طاووس، عن ابن عباس، وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى.
98 ((باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي)) أي: هذا باب يذكر فيه الميت يعرض عليه.. إلى آخره، والمراد (بالغداة والعشي) وقتهما، وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء، والمراد من المقعد: الموضع الذي أعد له في الجنة أو في النار.
9731 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال هاذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»