عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٠٦
النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور، لا أنه نفى ذلك عن غيرهم، قال: والذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك، فيعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم، كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة. وحكى في مساءلة الأطفال احتمالا. قلت: ذكر أصحابنا أنهم يسألون وقطعوا بذلك، وقال ابن القيم: السؤال للكافر والمسلم قال الله تعالى: * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) * (إبراهيم: 72). وفي حديث أنس في البخاري: (وأما المنافق والكافر)، بواو العطف، وفي حديث أبي سعيد: (فإن كان مؤمنا) فذكره، وفيه: (وإن كان كافرا). وقال ابن عبد البر: الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان منسوبا إلى أهل القبلة، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل، ورد بأنه نفي بلا دليل، بل في الكتاب العزيز الدلالة على أن الكافر يسأل عن دينه، قال تعالى: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * (الأعراف: 6). وقال تعالى: * (فوربك لنسألنهم أجمعين) * (الحجر: 29). قلت: لقائل أن يقول: المراد من هذا السؤال يحتمل أن يكون في الآخرة. وفيه: ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال: كنت أسمع الناس يقولون شيئا فقلته. وفيه: أن الميت يحيى في قبره للمساءلة، خلافا لمن رده، وقد مر الكلام فيه مستقصى.
78 ((باب التعوذ من عذاب القبر)) أي: هذا باب في بيان التعوذ من عذاب القبر، وكيفية التعوذ، وإلا فأحاديث هذا الباب داخلة في الحقيقة في الباب الذي قبله.
5731 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنهم. قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها.
قيل: لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة، لأن الحديث في بيان ثبوت عذاب القبر، والترجمة في التعوذ منه، حتى قال بعضهم: إنما أدخله في هذا الباب بعض من نسخ الكتاب ولم يميز. قلت: قال الكرماني: العادة قاضية بأن كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوذ من مثله، أو تركه اختصارا.
ذكر رجاله: وهم سبعة: الأول: محمد بن المثنى بن عبيد، يعرف بالزمن العنبري. الثاني: يحيى بن سعيد القطان. الثالث: شعبة بن الحجاج. الرابع: عون بن أبي جحيفة، بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء، وقد مر في: باب الصلاة في الثوب الأحمر. لخامس: أبوه أبو جحيفة الصحابي واسمه: وهب بن عبد الله السوائي. السادس: البراء بن عازب السابع: أبو أيوب الأنصاري، واسمه: خالد بن زيد.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن شيخه بصري ويحيى كوفي وشعبة واسطي وعون كوفي والثلاثة الباقية صحابيون يروي بعضهم عن بعض.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم في صفة أهل النار عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وعن أبي موسى وبندار ثلاثتهم عن يحيى. وأخرجه النسائي في الجنائز عن أبي قدامة عن يحيى.
ذكر معناه: قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي: من المدينة إلى خارجها. قوله: (وقد وجبت الشمس)، جملة حالية، وقد علم أن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا فلا بد من لفظة: قد، صريحة أو مقدرة. ومعنى: وجبت: سقطت، والمراد أنها غربت. قوله: (فسمع صوتا)، يحتمل أن يكون صوت ملائكة العذاب، أو صوت اليهود المعذبين، أو صوت وقع العذاب، وقد وقع عند الطبراني: أنه صوت اليهود، رواه من طريق عبد الجبار بن العباس عن عون بهذا السند، ولفظه: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس ومعي كوز من ماء، فانطلق لحاجته حتى جاء فوضأته فقال: ألم تسمع ما أسمع؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أسمع أصوات اليهود يعذبون في قبورهم). وقال الكرماني: صوت الميت من العذاب يسمعه غير الثقلين، فكيف سمع ذلك؟ ثم أجاب بقوله: هو في الضجة المخصوصة وهذا غيرها، أو سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»