عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٩٢
بالفروع الشرعية، وعلى القول الآخر: لا يحسن ذلك، ثم إن الحديث لا دلالة فيه على كفر ولا إيمان، بل هو على الإيمان أدل من غيره، والله أعلم، لا سيما وقد ورد في (المصنف) لابن أبي شيبة: حدثنا شريك عن سماك (عن جابر بن سمرة: أن رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصابته جراحة فآلمته، فأخذ مشقصا فقتل به نفسه، فلم يصل النبي صلى الله عليه وسلم عليه).
4631 وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال حدثنا جندب رضي الله تعالى عنه في هاذا المسجد فما نسينا وما نخاف أن يكذب جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان برجل جراح قتل نفسه فقال الله عز وجل بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة.
(الحديث 4631 طرفه في: 3643).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وهذا تعليق وصله في ذكر بني إسرائيل فقال: حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال فذكره، وفي (التلويح): كذا ذكره عن شيخه بلفظ: قال، وخرجه في أخبار بني إسرائيل، فقال: حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال، قال: وهو يضعف قول من قال: إنه إذا قال عن شيخه، وقال فلان، يكون أخذه عنه مذاكرة، ولفظه هناك: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقي الدم حتى مات، وعند مسلم من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي، ولفظه: (خرجت به قرحة فلما آذته انتزع سهما من كنانته فنكاها فلم يرق الدم حتى مات). وقال أبو عبد الله الحاكم محمد هذا هو الذهلي، قال الجياني: ونسبه أبو علي ابن السكن عن الفربري، فقال: حدثنا محمد بن سعيد حدثنا حجاج، وقال الدارقطني: قد أخرج البخاري عن محمد بن معمر وهو مشهور بالرواية، ثم رواه أبو علي عن حكيم بن محمد حدثنا أبو بكر بن إسماعيل حدثنا علي بن قديد حدثنا محمد بن علي بن محرز حدثنا حجاج فذكره.
ذكر معناه: قوله: (في هذا المسجد)، الظاهر أنه مسجد البصرة، قوله: (فما نسينا وما نخاف) ذكر هذا للتأكيد والتحقيق. قوله: (عن النبي)، ويروى: (عن النبي، صلى الله عليه وسلم) وهو ظاهر، لأنه يقال: كذب عليه، وأما رواية: عن، فعلى معنى النقل، قوله: (برجل جراح)، لم يعرف الرجل من هو، و: الجراح، بكسر الجيم، ويروى: (خراج)، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء، وهو في اصطلاح الأطباء: الورم إذا اجتمعت مادته المتفرقة في ليف العضو الورم إلى تجويف واحد، وقبل ذلك يسمى ورما وفي (المحكم) هو اسم لما يخرج في البدن، زاد في (المنتهى): من القروح. وفي (المغرب): الخراج، بالضم البثر الواحدة، خراجة، وزعم أبو موسى المديني أنه يجمع على خراجات وخرجات. وفي (الجمهرة) و (الجامع) و (الموعب): الخراج ما خرج على الجسد من دمل ونحوه وزعم النووي أن الخراج قرحة، بفتح القاف وإسكان الراء، وهي واحدة القروح، وهي حبات تخرج في بدن الإنسان. وفي (التلويح): ينظر فيه من سلفه فيه. قوله: (قتل نفسه)، أي: بسبب الجراح، وهي جملة وقعت صفة، ويروى: (فقتل). قوله: (بدرني)، معنى المبادرة: عدم صبره حتى يقبض الله روحه حتف أنفه، يقال: بدرني، أي: سبقني من بدرت إلى الشيء أبدر بدرا: إذا أسرعت: وكذلك: بادرت إليه. قوله: (حرمت عليه الجنة) معناه: إن كان مستحلا فعقوبته مؤبدة، أو معناه: حرمت قبل دخول النار، أو المراد من الجنة: جنة خاصة لأن الجنان كثيرة، أو هو من باب التغيظ، أو هو مقدر بمشيئة الله تعالى، وقيل: يحتمل أن يكون هذا الوعيد لهذا الرجل المذكور في الحديث، وانضم إلى هذا الرجل مشركه، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون كافرا، لقوله: (فحرمت عليه الجنة)، وفيه نظر من حيث إن الجنة محرمة على الكافر سواء قتل نفسه أو استبقاها، وعلى تقدير أن يكون كافرا، إنما يتأتى على قول من يقول: إن الكفار مطالبون بالفروع الشرعية، وعلى القول الآخر: لا يحسن ذلك، ثم إن الحديث لا دلالة فيه على كفر ولا إيمان، بل هو على الإيمان أدل من غيره، والله أعلم، لا سيما وقد ورد في (المصنف) لابن أبي شيبة: حدثنا شريك عن سماك (عن جابر بن سمرة: أن رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصابته جراحة فآلمته، فأخذ مشقصا فقتل به نفسه، فلم يصل النبي صلى الله عليه وسلم عليه).
5631 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار.
(الحديث 5631 طرفه في: 8775).
هذا من أفراد البخاري من هذا الوجه، وأخرجه في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مطولا. ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم، وليس فيه ذكر الخنق، وفيه من الزيادة ذكر السم وغيره، ولفظه: (فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)، وقد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار، وأجاب أهل السنة بأجوبة، منها: أنهم قالوا: هذه لزيادة وهم، وقال الترمذي بعد أن أخرجه، رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، فلم يذكر: (خالدا مخلدا)، قال: وهو الأصح، لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها، وقد ذكرنا أجوبة أخرى في هذا الباب، وأبو اليمان: الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد، بكسر الزاي وبالنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. قوله: (يخنق)، بضم النون. قوله: (يطعنها)، بفتح العين وضمها، وإنما كان الخنق والطعن في النار، لأن الجزاء من جنس العمل.
48 ((باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين)) أي: هذا باب في بيان كراهة الصلاة على المنافقين، وكراهة الاستغفار أي: طلب المغفرة للمشركين لعدم الفائدة.
رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: روى كراهة الصلاة على المنافقين عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور في قوله: (ما يكره). قال الكرماني: فإن قلت: لما جزم البخاري بأنه رواه فلم ما ذكره بإسناده. قلت: لأنه لم يكن الراوي بشرطه، أو لأنه ذكره في موضع آخر انتهى. قلت: لا نسلم أنه جزم بذلك، بل أخبر. ولئن سلمنا ذلك فيحتمل أن تركه الإسناد اكتفاء بالإسناد الذي ذكره في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي في: باب القميص الذي يلف.
6631 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم أنه قال لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا إلى وهم فاسقون قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم.
(الحديث 6631 طرفه في: 1764).
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»