عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٠٥
ذكر معناه: نذكر هنا ما لم نذكره هناك لزيادة فائدة. قوله: (ليسمع قرع نعالهم) زاد مسلم: (إذا انصرفوا)، قوله: (فيقعدانه)، زاد في حديث البراء: (فتعاد روحه في جسده). قوله: (لمحمد) بيان من الراوي أي: لأجل محمد، وفي رواية أبي داود: (ما كنت تقول في هذا الرجل؟) وفي رواية أحمد من حديث عائشة: (ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟) قوله: (أنظر إلى مقعدك من النار)، وفي رواية أبي داود: (فيقال له: هذا بيتك كان في النار، ولكن الله عز وجل عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنة، فيقول لهم: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له: أسكت). وفي حديث أبي سعيد عن أحمد: (كان هذا منزلك لو كفرت بربك). وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، بإسناد صحيح: (فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج الله له فرجة قبل النار فينظر إليها فيحطم بعضها بعضا. فيقال له: أنظر إلى ما وقاك الله). قوله: (وذكر لنا)، بلفظ المجهول، قوله: (يفسح له في قبره) كلمة في، زائدة، إذ الأصل: يفسح له في قبره، وفي رواية مسلم من طريق شيبان عن قتادة: (سبعون ذراعا، ويملأ خضرا إلى يوم يبعثون)، وفي رواية ابن حبان: (سبعين ذراعا في سبعين ذراعا)، وله من وجه آخر: عن أبي هريرة: (ويرحب له في قبره سبعون ذراعا وينور له كالقمر ليلة البدر). وفي حديث طويل للبراء: (فينادي مناد من السماء أن: صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا في الجنة، والبسوه من الجنة. قال: فيأتيه من ريحها وطيبها، ويفسح له مد بصره). وزاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة: (فيزداد غبطة وسرورا فيعاد الجلد إلى ما بدا منه، ويجعل روحه في نسم طائر يعلق في شجر الجنة). قوله: (وأما المنافق والكافر)، كذا بواو العطف في هذه الطريق، وتقدم في: باب الميت يسمع خفق النعال: وأما الكافر أو المنافق بالشك، وفي حديث أبي داود: (وأن الكافر إذا وضع)، وعند أحمد في حديث أبي سعيد: (وإن كان كافرا أو منافقا) بالشك، وله في حديث أسماء: (فإن كان فاجرا أو كافرا). وفي الصحيحين من حديثها: (وأما المنافق أو المرتاب)، وفي رواية عبد الرزاق عن جابر، وعند الترمذي عن أبي هريرة: (وأما المنافق)، وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي هريرة عند ابن ماجة: (وأما الرجل السوء)، وللطبراني من حديث أبي هريرة (وإن كان من أهل الشك). قوله: (كنت أقول ما يقول الناس)، وفي حديث أسماء: (سمعت الناس يقولون شيئا فقلته)، وكذا في أكثر الأحاديث. قوله: (ولا تليت) أي: ولا تلوت، أي: لا فهمت ولا قرأت القرآن، وقد مر الكلام فيه مستقصى. قوله: (بمطارق حديد) جمع مطرقة، وكذا في: باب خفق النعال، بالإفراد. والمطارق: مضاف إلى حديد مثل: خاتم فضة، ويروى: (بمطارق من حديد)، وقال الكرماني: وجه الجمع للإيذان بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة. قوله: (يسمعها من يليه) قال المهلب: المراد الملائكة الذين يلون فتنته. قلت: لا وجه لتخصيصه بالملائكة، فقد ثبت أن البهائم تسمعه، وفي حديث البراء: (يسمعها من بين المشرق والمغرب)، وفي حديث أبي سعيد، رضي الله تعالى عنه، عند أحمد، رحمه الله تعالى (يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين)، ويدخل في هذا، وفي حديث البراء، رضي الله تعالى عنه: الحيوان والجماد، لكن يمكن أن يخص منه الجماد لما في حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عند البزار، رحمه الله تعالى: (يسمعه كل دابة إلا الثقلين).
ذكر ما يستفاد منه: فيه: إثبات عذاب القبر، وأنه واقع على الكفار ومن شاء الله من المؤمنين. فإن قلت: المساءلة عامة على جميع الأمم أم على أمة محمد، صلى الله عليه وسلم؟ فذهب الحكيم الترمذي إلى أنها تختص بهذه الأمة، وقال: كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل، فإن أطاعوا فذاك، وإن أبوا اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما أرسل الله محمدا، صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب، وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب، ويثبت الذين آمنوا ويضل الظالمين. انتهى. ويؤيده حديث زيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها...) الحديث أخرجه مسلم ويؤيده أيضا قول الملكين: ما تقول في هذا الرجل محمد؟ وحديث عائشة أيضا عند أحمد بلفظ: وأما فتنة القبر في يفتنون وعني يسألون) وذهب ابن القيم إلى عموم المساءلة، وقال: ليس في الأحاديث ما ينفي المساءلة عمن تقدم من الأمم، وإنما أخبر
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»