الواقع قبل يوم القيامة وإضافة العذاب إلى القبر لكثرة وقوعه على الموتى في القبور، وإلا فالكافر، ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته، ولو لم يدفن، ولكن هذا محجوب عن الخلق إلا من شاء الله تعالى لحكمة اقتضت ذلك. قوله: * (أخرجوا أنفسكم) * (الأنعام: 39). أي: تقول الملائكة أخرجوا أنفسكم، وذلك لأن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والسلاسل والجحيم وغضب الرحمن الرحيم، فتفرق روحه في جسده ويعصى ويأبى الخروج، فتضر بهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم. وقيل: معناه أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم تقريعا لهم وتوبيخا. واختلف في النفس والروح فقال القاضي أبو بكر وأصحابه: إنهما إسمان لشيء واحد. وقال ابن حبيب: الروح هو النفس الجاري يدخل ويخرج لا حياة للنفس إلا به. والنفس يألم ويلذ، والروح لا يألم ولا يلذ، وعن ابن القاسم عن عبد الرحمن بن خلف: بلغني أن الروح له جسد ويدان ورجلان ورأس وعينان يسل من الجسد سلا، وعن ابن القاسم: الروح مثل الماء الجاري. قوله: * (اليوم تجزون عذاب الهون) * (الأنعام: 39). أي: اليوم تهانون غاية الإهانة بما كنتم تكفرون على الله وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله. وقال الزمخشري: اليوم تجزون، يجوز أن يريدوا وقت الإماتة، وما يعذبون به من شدة النزع، وأن يريدوا الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة، وفسر البخاري الهون بقوله: هو الهوان، وهو الهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء يريد العراقة في الهون والتمكن فيه. قوله: (والهون الرفق) أي: الهون، بفتح الهاء معناه الرفق ما قال في قوله: * (الذين يمشون على الأرض هونا) * (الفرقان: 36). أي برفق وسكينة.
الآية الثانية هي قوله: * (سنعذبهم مرتين) * (التوبة: 101). أشار إليها بقوله: وقوله، عز وجل، بالجر أيضا عطفا على ما قبله، وهذه الآية في سورة البراءة، وقبلها قوله تعالى: * (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين) * (التوبة: 101). وقال مجاهد: مرتين القتل والسبي، وعنه: العذاب بالجوع وعذاب القبر، وقيل: الفضيحة وعذاب القبر، وروى الطبراني وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس، قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق، واخرج يا فلان، فإنك منافق، فأخرج من المسجد ناسا منهم فضحهم، فجاء عمر، رضي الله تعالى عنه، وهم يخرجون من المسجد فاختبىء منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة، وظن أن الناس قد انصرفوا، واختبأوا هم عن عمر ظنوا أنه قد علم بأمرهم، فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا، فقال له رجل من المسلمين: أبشر يا عمر، فقد فضح الله المنافقين. فقال ابن عباس: فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد، والعذاب الثاني عذاب القبر، وكذا قال الثوري عن السدي عن أبي مالك نحو هذا.
الآية الثالثة هي قوله تعالى: * (وحاق بآل فرعون) * (غافر، المؤمن، 54). إلى قوله: * (أشد العذاب) * (غافر، المؤمن: 54). وهي في سورة المؤمن التي تسمى بسورة غافر أيضا، ومعنى: * (حاق بآل فرعون) * (غافر، المؤمن: 54). يعني: نزل بهم سوء العذاب، يعني شدة العذاب. وقال الزمخشري: وحاق بآل فرعون ما هموا به من تعذيب المسلمين، ورجع عليهم كيدهم، يقال: حاق به الشيء يحيق، أي: أحاطه به، ومنه قوله تعالى: * (ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله) * (فاطر: 34). وحاق بهم العذاب أي: أحاط بهم، ونزل قوله: * (النار يعرضون) * (غافر والمؤمن: 54). بدل من قوله: * (سوء العذاب) * (غافر والمؤمن: 54). أو خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا يقول: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، أو مبتدأ وخبره: * (يعرضون عليها) * (غافر المؤمن: 54). وعرضهم عليها إحراقهم بها، يقال: عرض الأسارى على السيف إذا قتلهم به، وقرئ: النار، بالنصب وتقديره: يدخلون النار يعرضون عليها، ويجوز أن ينتصب على الاختصاص. وقال ابن عباس: يعرضون يعني: أرواحهم على النار غدوا وعشيا، يعني: في هذين الوقتين. وهكذا قال مجاهد، وقتادة، وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين، وقال أبو الليث السمرقندي: الآية تدل على عذاب القبر، لأنه ذكر دخولهم النار يوم القيامة، وذلك أنه يعرض عليهم النار قبل ذلك غدوا وعشيا. وقال ابن مسعود: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار مرتين، يقال لهم: هذه داركم. وقال مجاهد: غدوا وعشيا من أيام الدنيا، وقال الفراء: ليس في القيامة غدو ولا عشي، لكن مقدار ذلك، ويرد عليه قوله: * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة) * (غافر والمؤمن: 54). فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر، وحديث البراء مفسر للآية، قوله: * (ويوم تقوم الساعة) * (غافر المؤمن: 54). يعني: يقال لهم يوم القيامة: أدخلوا آل فرعون. قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمر: وادخلوا، بضم