عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٧
ثم اللون. قوله: (ويديه إلى المرفقين) أي: كل واحدة، كما جاء هكذا مبينا في رواية معمر عن الزهري كما يجيء في كتاب الصوم، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وفيهما تقديم اليمنى على اليسرى، والتعبير في كل منهما بكلمة: ثم، وكذا في الرجلين أيضا. قوله: (ثم مسح برأسه) وفي الروايتين المذكورتين، ثم مسح رأسه بلا باء، الجر والفرق بينهما أن في الأول لا يقتضى استيعاب المسح بخلاف الثاني. قوله: (نحو وضوئي هذا) قال النووي: إنما قال: نحو وضوئي، ولم يقل: مثل، لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره، وفيه نظر، لأنه جاء في رواية البخاري في الرقاق من طريق المعاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان، رضي الله تعالى عنه، ولفظه: (من توضأ مثل هذا الوضوء). وجاء في رواية مسلم أيضا، من طريق زيد بن أسلم عن حمران: (من توضأ مثل وضوئي هذا)، والتقدير: مثل وضوئي، وكل واحد من لفظة: نحو ومثل. من أداة التشبيه والتشبيه لا عموم له، سواء قال: نحو وضوئي هذا، أو: مثل وضوئي، فلا يلزم ما ذكره النووي. وقال بعضهم: فالتعبير: بنحو، من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا، ليس بشيء، لأنه ثبت في اللغة مجىء: نحو، بمعنى: مثل. يقال: هذا نحو ذاك، أي: مثله. قوله: (لا يحدث فيهما) أي: في الركعتين، قال القاضي عياض: يؤيد بحديث النفس الحديث المجتلب والمكتسب، وأما ما يقع في الخاطر غالبا فليس هو المراد. وقال بعضهم: هذا الذي يكون من غيره قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة، ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضمن الغفران لمراعي ذلك لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس، وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لا يشتغل عنها طرفة عين، وسلم من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه. قيل: ويحتمل أن يكون المراد به إخلاص العمل لله تعالى ولا يكون لطلب الجاء، وان يراد ترك العجب بأن لا يرى لنفسه منزلة رفيعة بأدائها، بل ينبغي أن يحقر نفسه كي لا تغتر فتتكبر. ويقال: إن كان المراد به أن لا يخطر بباله شيء من أمور الدنيا فذلك صعب وإن كان المراد به أنه بعد خطوره به لا يستمر عليه فهو عمل المخلصين. قلت: التحقيق فيه أن حديث النفس قسمان: ما يهجم عليها ويتعذر دفعها، وما يسترسل معها ويمكن قطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول لعسر اعتباره. وقوله: (يحدث) من باب التفعيل وهو يقتضي التكسب من أحاديث النفس، ودفع هذا ممكن. وأما ما يهجم من الخطرات والوساوس فإنه يتعذر دفعه فيعفى عنه، ونقل القاضي عياض عن بعضهم بأن المراد: من لم يحصل له حديث النفس أصلا ورأسا، ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غيره المستقرة، ثم حديث النفس يعم الخواطر الدنيوية والأخروية، والحديث محمول على المتعلق بالدنيا فقط، وقد جاء في رواية في هذا الحديث: ذكره الحكيم الترمذي في كتاب الصلاة، تأليفه: (لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا، ثم دعا إليه إلا استجيب له). انتهى فإذا حدث نفسه فيما يتعلق بأمور الآخرة: كالفكر في معاني المتلو من القرآن العزيز والمذكور من الدعوات والأذكار، أو في أمر محمود أو مندوب إليه لا يضر ذلك، وقد ورد عن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لأجهز الجيش وأنا في الصلاة، أو كما قال قوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني: من الصغائر دون الكبائر، كذا هو مبين في مسلم، وظاهر الحديث يعم جميع الذنوب، ولكنه خص بالصغائر، والكبائر إنما تكفر بالتوبة وكذلك مظالم العباد فإن قيل: حديث عثمان، رضي الله تعالى عنه، الآخر الذي فيه: (خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره) مرتب على الوضوء وحده، فلو لم يكن المراد بما تقدم من ذنبه في هذا الحديث العموم في الصغائر والكبائر لكان الشيء مع غيره كالشئ لا مع غيره، فإن فيه الوضوء والصلاة، وفي الأول الوضوء وحده وذلك لا يجوز. أجيب: بأن قوله: (خرجت خطاياه) لا يدل على خروج جميع ما تقدم له من الخطايا، فيكون بالنسبة إلى يومه أو إلى وقت دون وقت، وأما قوله: (ما تقدم من ذنبه) فهو عام بمعناه وليس له بعض متيقن، كالثلاثة في الجمع. أعني: الخطايا، فيحمل على العموم في الصغائر. وقال بعضهم: وهو في حق من له كبائر وصغائر ومن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خففت عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك. قلت: الأقسام الثلاثة الأخيرة غير صحيحة، أما الذي ليس له إلا، صغائر فله كبائر أيضا، لأن كل صغيرة تحتها صغيرة فهي كبيرة، أما الذي ليس له إلا كبائر فله صغائر، لأن كل كبيرة تحتها صغيرة، وإلا لا يكون
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»