وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدمية إلى الكعبين ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال: هذا حديث حسن صحيح. فان قلت: لم يحك فيه أن كل واحدة من المضامض والاستنشاقات بماء واحد، بل حكى أنه تمضمض ثلاثا. قلت: مدلوله ظاهرا ما ذكرناه، وهو أن يتمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا، ثم يستنشق كذلك، وهو رواية البويطي عن الشافعي فإنه روى عنه أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، وفي رواية غيره عنه في (الأم) بفرق غرفة يتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة يتمضمض فيها ويستنشق ثم يغرف ثالثة ويستنشق فيجمع في كل غرفتين بين المضمضة والاستنشاق واختلف نصه في الكيفيتين وهو نص مختصر المزني أن الجمع أفضل ونص السيوطي أن الفضل أفضل ونقله الترمذيعن الشافعي النووي: قال صاحب (المهذب) القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي، وهو أيضا أكثر في الأحاديث الصحيحة؛ ووجه الفصل بينهما، كما هو مذهب أصحابنا الحنفية، ما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليمامي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا فأخذ لكل واحدة ماء جديدا)، وكذا روى عنه أبو داود في (سننه) وسكت عنه، وهو دليل رضاه بالصحة. والجواب عما ورد في الحديث: (فتمضمض واستنشق من كف واحد) أنه محتمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد، ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه، والمحتمل لا يقوم به حجة أو يرد هذا المحتمل إلى المحكم الذي ذكرناه توفيقا بين الدليلينن. وقد يقال: إن المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين كما في الوجه، وقد يقال: إنه فعلهما باليد اليمنى ردا على قول من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى، لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، كذا في (المبسوط) وفيه نظر لا يخفى، والأحسن أن يقال: إن كل ما روي عن ذلك في هذا الباب هو محمول على الجواز.
الوجه الثالث: في غسل الوجه وهو فرض بالنص بلا خلاف، وفيه تثليث غسله والإجماع قائم على سنيته.
الوجه الرابع: في غسل اليدين إلى المرفقين والكلام فيه كالكلام في الوجه، وقد بينا حد المرفق وهو أنه موصل الذراع في العضد، ولكن اختلف قول الشافعي: هل هو اسم لإبرة الذراع أو لمجموع عظم رأس العضد مع الإبرة؟ على قولين، وبنى على ذلك أنه لو سل الذراع من العضد هل يجب غسل رأس العضد أو يستحب؟ فيه قولان أشهرهما وجوبه، واختلفوا وأيضا في وجوب إدخال المرفقين في الغسل على قولين، فذهبت الأئمة الأربعة، كما عزاه ابن هبيرة إليهم، والجمهور إلى الوجوب، وذهب زفر وأبو بكر بن داود إلى عدم الوجوب، ورواه أشهب عن مالك، وزيفه القاضي عبد الوهاب، ومنشأ الخلاف من كلمة: إلى، وقد حققنا الكلام فيه فيما مضى.
الوجه الخامس: في مسح الرأس، والكلام فيه على أنواع. الأول: في أن ظاهر الحديث يقتضى استيعاب الرأس بالمسح لأن اسم الرأس حقيقة في العضو، لكن الاستيعاب هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ فيه قولان للعلماء: فمذهب الشافعي أن الواجب ما يقع عليه الاسم ولو بعض شعرة، ومشهور مذهب مالك وأحمد أن الواجب مسح الجميع، ومشهور مذهب أبي حنيفة أن الواجب مسح ربع الرأس، وقد مر الكلام فيه مبسوطا في أول كتاب الوضوء. النوع الثاني: أن قوله: (ثم مسح برأسه) يقتضي مرة واحدة، كذا فهمه غير واحد من العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفة مالك وأحمد، وقال الشافعي: يستحب التثليث لغيرها من الأعضاء وهو مشهور مذهبه، وقد وردت أحاديث صحيحة بالمسح مرة واحدة. وقال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا، قالوا: وفيها مسح رأسه، ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: لا نعلم أحدا من السلف جاء عنه استعمال الثلاث إلا إبراهيم التيمي. قلت: فيه نظر، لأن ابن أبي شيبة حكى ذلك عن أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة أنهم كانوا إذا توضؤا مسحوا رؤوسهم ثلاثا، وذكر ابن السكن أيضا عن مصرف بن عمرو. ووردت أحاديث كثيرة بالمسح ثلاثا، ففي (سنن أبي داود) بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران، وفيه: (ومسح رأسه ثلاثا)، وفي (سنن ابن ماجة) ما يدل على أن سائر وضوئه، عليه الصلاة والسلام، كان ثلاثا والرأس داخلة فيه، وهو ما رواه بسند صحيح عن محمود بن خالد: ثنا