عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٢
بعضهم: وزعموا أنه معلق وليس كذلك، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسنادين معا وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي، ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه من حديث الأويسي المذكور فصح ما قلته. قلت: لا يلزم من إخراج مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد موصولا أن يكون كذلك عند البخاري، غاية ما في الباب أنه يحتمل أن يكون معقبا، بحديث إبراهيم الأول فيكون موصولا، وبمجرد الاحتمال لا يتعين نفي كونه معلقا، والحال أن صورته صورة التعليق، وإليه أقرب، وكذا لا يلزم من كونه عند أبي عوانة من حديث الأويسي أن يكون موصولا عند البخاري لاحتمال عدم السماع منه في هذا على ما لا يخفى. وأما مسلم فقد قال: حدثنا زهير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح به؛ وأما الإسماعيلي فأخرجه عن ابن ناجية حدثنا فضيل بن سهل وعبيد الله بن سعد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم فذكره، وزعم الدارقطني أن عثمان، رضي الله عنه، رواه عنه أيضا عمرو بن سعيد بن العاصي وابن أبي مليكة وأبو علقمة وأبو أنس وشقيق وسلمة، ورواه مالك والليث عن هشام عن أبيه عن حمران، ورواه حسين بن محمد المروزي عن شعبة عن هشام عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عثمان، ورواه حمزة بن زياد عن شعبة عن أبان أبيه عن أبيه.
بيان رجاله وهم خمسة. الأول: إبراهيم بن سعد المذكور في الحديث السابق. الثاني: صالح بن كيسان، بفتح الكاف، مر ذكره في آخر قصة هرقل. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: عروة بن الزبير بن العوام، تقدم في أول كتاب الوحي. الخامس: حمران بن أبان.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه العنعنة وليس فيه صيغة التحديث ولا الإخبار، وإنما فيه الإخبار بلفظ قال. ومنها: أن هؤلاء كلهم مدنيون. ومنها: أن فيه أربعة تابعيين وهم: صالح وابن شهاب وعروة وحمران. ومنها: أن فيه رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن صالحا أكبر سنا من الزهري. ومنها: أن إبراهيم ههنا يروي عن ابن شهاب بالواسطة، وهو صالح. وروى عنه في أول الباب بلا واسطة. قوله: (ولكن عروة يحدث)، استدراك من ابن شهاب، وأشار به إلى أن شيخي ابن شهاب في هذا الحديث وهما: عطاء بن يزيد وعروة بن الزبير اختلفا في روايتهما عن حمران عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فحدث به عطاء على وجه، وعروة على وجه، وليس ذلك باختلاف لأنهما حديثان متغايران، وقد رواهما معا عن حمران معاذ بن عبد الرحمن، فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء، ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه.
بيان الإعراب والمعاني قوله: (عن حمران فلما توضأ)، وفي بعض النسخ: (عن حمران، قال: فلما توضأ). وقوله: (فلما توضأ) عطف على محذوف تقديره عن حمران أنه رأى عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه إلى أن قال: ثم غسل رجليه إلى الكعبين، فلما توضأ قال: إلى آخره. قوله: (لأحدثنكم) جواب قسم محذوف. قوله: (حديثا) نصب على أنه مفعول ثان لقوله (لأحدثنكم). قوله: (لولا) لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيد لأكرمتك، اي: لولا زيد موجود لأكرمتك. قوله: (آية) مبتدأ وخبره محذوف، وحذفه ههنا واجب كما علم في موضعه، والتقدير: لولا آية ثابتة في القرآن. وفي رواية مسلم: (لولا آية في كتاب الله تعالى)، وقال عياض: لولا آية، هكذا هو بالمد وبالياء المثناة من تحت، ورواه الباجي: لولا أنه، بالنون يعني: لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله تعالى ما حدثتكم. وفي (المطالع) قول عثمان، رضي الله تعالى عنه: لولا أنه في كتاب الله تعالى، بالنور في رواية يحيى، وجماعة معه ذكره ابن ماهان في مسلم، وعند ابن مصعب وابن وهب وآخرين من رواة الموطأ: (لولا آية)، وهي رواية الجلودي في مسلم. قال مالك الآية: * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * (هود: 114) وقال عروة في كتاب مسلم: * (إن الذين يكتمون) * (البقرة: 159 و 174) الآية، والصواب قول عروة: يعني، لئلا يتكل الناس، فكأن النهي عن الكتمان أوجب عليه التحديث به مخافة الكتمان. قوله: (ما حدثتكموه) جواب: (لولا)، واللام محذوفة منه، ومعناه: لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما إبلاغه لما كنت حريصا على تحديثكم، ولما كنت متكثرا بتحديثكم قوله
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»