وقال غيره فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز، ولا إثم عليه ولا فدية لهذا الحديث، ولعموم وقوله: (ولا حرج)، وهذا مذهب عطاء وطاوس ومجاهد. وقول أحمد وإسحاق، والمشهور من قول الشافعي، وحملوا قوله تعالى: * (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) * (البقرة: 196) على المكان الذي يقع فيه النحر. وللشافعي قول ضعيف أنه إذا قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه الدم، بناء على قوله الضعيف عند أصحابه أن الحلق ليس بنسك. قال النووي: وبهذا القول قال أبو حنيفة ومالك، ويروى عن سعيد بن جبير والحسن والنخعي وقتادة، ورواية شاذة عن ابن عباس: أن من قدم بعضها على بعض لزمه الدم. وقال المازري: لا فدية عليه عند مالك، يعني: في تقديم بعضها على بعض إلا الحلق على الرمي فعليه الفدية. وقال عياض: وكذا إذا قدم الطواف للإفاضة على الرمي عنده، فقيل: يجزئه، وعليه الهدي. وقيل: لا يجزئه، وكذلك قال: إذا رمى ثم أفاض قبل أن يحلق. وأجمعوا على أن من نحر قبل الرمي لا شيء عليه. واتفقوا على أنه لا فرق بين العامد والساهي في وجوب الفدية وعدمها، وإنما اختلفوا في الإثم وعدمه عند من منع التقديم. قلت: إذا حلق قبل أن يذبح فعليه دم عند أبي حنيفة، وإن كان قارنا فعلية دمان. وقال زفر: إذا حلق قبل أن ينحر عليه ثلاثة دماء: دم للقران، ودمان للحلق قبل النحر. وقال إبراهيم: من حلق قبل أن يذبح أهرق دما. وقال أبو عمر: لا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه. قال: واختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي، فكان ابن عمر يقول: يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض. وقال عطاء ومالك والشافعي وسائر الفقهاء: يجزئه الإفاضة ويحلق أو يقصر، ولا شيء عليه. قلت: احتج الشافعي وأحمد ومن تبعهما فيما ذهبوا إليه بظاهر الحديث المذكور، فإن معنى قوله: (ولا حرج) أي: لا شيء عليك مطلقا من الإثم، لا في ترك الترتيب ولا في ترك الفدية، واحتجت الحنفية فيما ذهبوا إليه بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: من قدم شيئا من حجه أو اخره فليهرق لذلك دما. وتأويل الحديث المذكور: لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا، لأنكم فعلتموه على الجهل منكم، لا القصد منكم خلاف السنة. وكانت السنة خلاف هذا، وأسقط عنهم الحرج، وأعذرهم لأجل النسيان وعدم العلم. والدليل عليه قول السائل: فلم أشعر، وقد جاء ذلك مصرحا في حديث علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح: (أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، سأله رجل في حجته فقال: إني رميت وأفضت ونسيت فلم احلق. قال: فاحلق ولا حرج. ثم جاء رجل آخر فقال: إني رميت وحلقت ونسيت أن أنحر. فقال: انحر ولا حرج). فدل ذلك على أن الحرج الذي رفعه الله عنهم، إنما كان لأجل نسيانهم ولجهلهم أيضا بأمر المناسك، لا لغير ذلك. وذلك أن السائلين كانوا ناسا أعرابا لا علم لهم بالمناسك، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا حرج) يعني: فيما فعلتم بالنسيان وبالجهل، لا أنه أباح لهم ذلك فيما بعد ومما يؤيد هذا ويؤكده قول ابن عباس، رضي الله عنهما، المذكور. والحال أنه أحد رواة الحديث المذكور، فلو لم يكن معنى الحديث عنده على ما ذكرنا لما قال بخلافه. ومن الدليل على ما ذكرنا أن ذلك كان بسبب جهلهم ما رواه أبو سعيد الخدري، أخرجه الطحاوي قال: (سئل رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وهو بين الجمرتين، عن رجل حلق قبل أن يرمي. قال: لا حرج. وعن رجل ذبح قبل أن يرمي، قال: لا حرج، ثم قال: عباد الله، وضع الله عز وجل الحرج والضيق، وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم). قال الطحاوي: أفلا يرى إلى أنه أمرهم بتعلم مناسكهم لأنهم كان لا يحسنونها، فدل ذلك أن الحرج الذي رفعه الله عنهم هو لجهلهم بأمر مناسكهم، لا لغير ذلك. فإن قلت: قد جاء في بعض الروايات الصحيحة: ولم يأمر بكفارة، قلت: يحتمل أنه لم يأمر بها لأجل نسيان السائل، أو أمر بها وذهل عنه الراوي.
24 ((باب من أجاب الفتيا باشارة اليد والرأس)) أي: هذا باب في بيان المفتي الذي أجاب المستفتي في فتياه بإشارة بيده أو رأسه. وجه المناسبة بين البابين ظاهر.
84 حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن