عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٨٤
بيان اللغات والإعراب: قوله: (أن يقل)، بكسر القاف: من القلة ضد الكثرة. قوله: (القيم الواحد)، بفتح القاف وكسر الياء المشددة، وهو القائم بأمور النساء، وكذا القيام والقوام. يقال: فلان قوام أهل بيته وقيامه، وهو الذي يقيم شأنهم. ومنه قوله: تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) * (النساء: 5) وقوام الأمر أيضا: ملاكه الذي يقوم به، وأصل: قيم قيوم على وزن فيعل، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت من الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. ولم يعكس الأمر ههنا هربا من الالتباس: بقوم، الذي هو ماض من التقويم. قوله: (لأحدثنكم) اللام فيه مفتوحة، وهو جواب قسم محذوف، أي والله لأحدثنكم، ولهذا جاز دخول النون المؤكدة عليه، وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة، وفي رواية مسلم عن غندر عن شعبة: (ألا أحدثكم). فيحتمل أن يكون قال لهم أولا: ألا أحدثكم، فقالوا: نعم. فقال: لأحدثنكم. قوله: (حديثا) قائم مقام أحد المفعولين: لأحدثنكم. قوله: (لا يحدثكم أحد) جملة من الفعل والمفعول والفاعل في محل النصب على أنها صفة لقوله: (حديثا). قوله: (بعدي)، كلام إضافي صفة: لأحد، وفي رواية مسلم: (لا يحدث أحد بعدي). بحذف المفعول، وفي رواية ابن ماجة عن غندر عن شعبة: (لا يحدثكم به أحد بعدي). وفي رواية البخاري من طريق هشام: (لا يحدثكم به غيري). وفي رواية أبي عوانة من هذا الوجه: لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام بعدي. قوله: (سمعت) بيان أو بدل لقوله: (لأحدثنكم) وقد مر توجيه كيفية جعل الذات مسموعا. قوله: (يقول) جملة وقعت حالا. قوله: (أن يقل العلم) في محل الرفع على الابتداء، وأن: مصدرية. قوله: (من أشراط الساعة) خبر مقدم، والتقدير: من أشراط الساعة قلة العلم. قوله: (ويظهر) في الموضعين، و: تكثر ويقل، في الأخير كلها منصوبات بتقدير: أن، لأنها عطف على قوله: (أن يقل العلم) والكل على صيغة المعلوم. قوله: (حتى يكون) حتى، ههنا للغاية، بمعنى إلى، و: أن، بعدها مقدرة. قوله: (القيم) مرفوع لأنه اسم: يكون، و: الواحد، صفته.
بيان المعاني: قوله: (وتكثر النساء ويقل الرجال) قال القاضي والنووي وغيرهما: يقل الرجال بكثرة القتل فيموت الرجال فتكثر النساء، وبقتلهم يكثر الفساد والجهل. وقال أبو عبد الملك: هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوآت. وقال بعضهم: فيه نظر، لأنه صرح بالعلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف. فقال: (من قلة الرجال وكثرة النساء). والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر. قلت: ليس في حديث أبي موسى شيء من التنبيه على العلة، لا صريحا ولا دلالة، وإنما معنى قوله: (من قلة الرجال وكثرة النساء) مثل معنى قوله في هذا الحديث: (وتكثر النساء ويقل الرجال)، والعلة لهذا لا تطلب إلا من خارج، وقد ذكروا هذين الوجهين، ويمكن أن يقال: يكثر في آخر الزمان ولادة الإناث، ويقل ولادة الذكور، وبقلة الرجال يظهر الجهل ويرفع العلم، ويكفي كثرتهن في قلة العلم وظهور الجهل والزنا، لأن النساء حبائل الشيطان وهن ناقصات عقل ودين. قوله: (لخمسين امرأة) يحتمل أن يراد بها حقيقة هذا العدد، وأن يراد بها كونها مجازا عن الكثرة، ولعل السر فيه أن الأربعة في كمال نصاب الزوجات، فاعتبر الكمال مع زيادة واحدة عليه، ثم اعتبر كل واحدة بعشر أمثالها ليصير فوق الكمال مبالغة في الكثرة، أو لأن الأربعة منها يمكن تألف العشرة، لأن فيها واحد أو اثنين وثلاثة وأربعة، وهذا المجموع: عشرة، ومن العشرات المئات، ومن المئات الألوف، فهي أصل جميع مراتب الأعداد، فزيد فوق الأصل واحد آخر ثم اعتبر كل واحدة منها بعشر أمثالها أيضا تأكيدا للكثرة، ومبالغة فيها.
الأسئلة والأجوبة: منها ما قيل: من أين عرف أنس، رضي الله عنه، أن أحدا لا يحدث بعده؟ أجيب: بأنه لعله عرفه بإخبار الرسول، عليه الصلاة والسلام، أو قال بناء على ظنه أنه لم يسمع الحديث غيره من رسول الله، عليه الصلاة والسلام. وقال ابن بطال: يحتمل أن أنسا، رضي الله عنه، قال ذلك لأنه لم يبق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، أو لما رأى من التغير ونقص العلم فوعظهم بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في نقص العلم أنه من أشراط الساعة، ليحضهم على طلب العلم، ثم أتى بالحديث على نصه. قلت: يحتمل أن يكون الخطاب بذلك لأهل البصرة خاصة، لأنه آخر من مات بالبصرة، رضي الله عنه. ومنها ما قيل: إن قلة العلم تقتضي بقاء شيء منه، وفي الحديث السابق: (يرفع العلم)، والرفع عدم بقائه، فبينهما تناف. أجيب: بأن القلة قد تطلق ويراد بها العدم، أو كان ذلك باعتبار الزمانين، كما يقال مثلا: القلة في ابتداء أمر الإشراط والعدم
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»