الإصبع. قلت: هذا من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء. فإن قلت: الإصبع في خاتم لا الخاتم في الإصبع. قلت: هو من باب القلب، نحو: عرضت الناقة على الحوض. قوله: (من قال)، جملة اسمية: ومن، استفهامية. لا وقوله: (نقشه: محمد رسول الله)، مقول القول. قوله: (قال: أنس) جملة من الفعل والفاعل، ومقول القول محذوف، أي: قال أنس: نقشه محمد رسول الله.
بيان المعاني: قوله: (كتابا) أي: إلى العجم أو إلى الروم، فقد جاء الروايتان صريحتين بهما في كتاب اللباس. قوله: (أو أراد أن يكتب) شك من الراوي، وقيل: هو أنس. قوله: (إنهم) أي: إن الروم والعجم، ولا يقال: إنه، إضمار قبل الذكر لقيام القرينة، وهي قوله: (لا يقرأون الكتاب إلا مختوما)، وكانوا لا يقرأون إلا مختوما خوفا من كشف أسرارهم، وإشعارا بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن يكون مما لا يطلع عليها غيرهم، وعن أنس: إن ختم كتاب السلطان والقضاة سنة متبعة. وقد قال بعضهم: هو سنة لفعل النبي، عليه الصلاة والسلام، وقد قيل في قوله تعالي: * (إني ألقي إلي كتاب كريم) * (النمل: 29) إنها إنما قالت ذلك لأنه كان مختوما. وفي ذلك أيضا مخالقة الناس بأخلاقهم، واستئلاف العدو بما لا يضر، وقد جاء في بعض طرقه عن أنس، رضي الله عنه، لما أراد النبي، عليه الصلاة والسلام، أن يكتب إلى الروم، وفي بعضها إلى الرهط أو الناس من الأعاجم، وفي مسلم (أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما)... وذكر الحديث. فإن قلت: ما كان رسول الله، عليه الصلاة والسلام، يكتب؟ فكيف قال: كتب النبي، عليه الصلاة والسلام؟ باسناد الكتابة إليه. قلت: قد نقل أنه، عليه الصلاة والسلام، كتب بيده، وسيجئ، إن شاء الله في كتاب الجهاد، وإن ثبت أنه لم يكتب أصلا يكون الإسناد فيه مجازيا، نحو: كتب الأمير كتابا، أي: كتبه الكاتب بأمره، والقرينة للمجاز العرف، لأن العرف أن الأمير لا يكتب الكتاب بنفسه. قوله: (فقلت)، القائل هو: شعبة.
بيان استنباط الأحكام: وهو على وجوه. الأول: فيه جواز الكتابة بالعلم إلى البلدان. الثاني: جواز الكتابة إلى الكفار. الثالث: فيه ختم الكتاب للسلطان والقضاة والحكام. الرابع: فيه جواز استعمال الفضة للرجال عند التختم، وقال عياض: أجمع العلماء على جواز اتخاذ الخواتم من الورق وهي الفضة للرجال إلا ما روي عن بعض أهل الشام من كراهة لبسه إلا لذي سلطان، وهو شاذ مردود، وأجمعوا على تحريم خاتم الذهب على الرجال، إلا ما روي عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم إباحته، وروي عن بعضهم كراهته. قال النووي: هذان النقلان باطلان، وحكى الخطابي أنه يكره للنساء التختم بالفضة لأنه من زي الرجال، ورد عليه ذلك. قال النووي: الصواب أنه لا يكره لها ذلك، وقول الخطابي ضعيف أو باطل لا أصل له.
وقال الشيخ قطب الدين: في هذا الحديث فوائد. منها: نسخ جواز لبس خاتم الذهب بعد أن كان، عليه الصلاة والسلام، لبسه، ولا يعارض ذلك ما جاء في (الصحيحين) من رواية الزهري محمد بن مسلم عن أنس أنه رأى في يد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخاتم من ورق فلبسوها، فطرح رسول الله، عليه الصلاة والسلام، خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم، رواه يونس وإبراهيم بن سعد، وزياد، وزاده أبو داود وابن مسافر، فهؤلاء خمسة من رواة الزهري الثقات يقولون عنه: من ورق، وقال القاضي عياض: اجمع أهل الحديث أن هذا وهم من ابن شهاب، من خاتم الذهب إلى خاتم الورق، والمعروف من رواية أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، وأنه لم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب. وقال المهلب وغيره: وقد يمكن أن يتأول لابن شهاب ما ينفي عنه الوهم، وإن كان الوهم أظهر باحتمال أن النبي، عليه الصلاة والسلام، لما عزم على طرح خاتم الذهب اصطنع خاتم الفضة، بدليل أنه لا يستغني عن الختم به على الكتب إلى البلدان، وأجوبة العمال وغيرهما، فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم ليعلمهم إباحته، وأن يصطنعوا مثله ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيم الذهب. الخامس: فيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، ونقش اسم الله تعالى فيه، بل فيه كونه مندوبا، وهو قول مالك وابن المسيب وغيرهما، وكرهه ابن سيرين. وأما نهيه، عليه الصلاة والسلام، أن ينقش أحد على نقش خاتمه، فلأنه إنما نقش فيه ذلك ليختم به كتبه إلى الملوك، فلو نقش على نقشه لدخلت المفسدة وحصل الخلل.