فكأنه قيل: تسعة أنفس، والفرق بين الرهط والنفر: أن الرهط من الثلاثة إلى العشرة، أو من السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة، ولا يخفى مخالفته لما في (الصحاح). قوله: (فأدبر) من الإدبار، وهو التولي. قوله: (فأوى إلى الله) بالهمزة المقصورة. وقوله: (فآواه الله) بالهمزة الممدودة، ويقال بالمقصورة أيضا، وقال القرطبي: الرواية الصحيحة قصر الأول ومد الثاني: وهو المشهور في اللغة، وفي القرآن: * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) * (الكهف: 10) بالقصر، * (وآويناهما إلى ربوة) * (المؤمنون: 50) بالمد. وقال القاضي: حكى بعضهم فيهما اللغتين: القصر والمد، والمشهور الفرق وفي (المطالع) قوله: (فأوى إلى الله) مقصور الألف، فآواه الله، ممدود الألف هذا هو الأشهر فيما رويناه. وقد جاء المد في كل واحدة منهما، والقصر في كل واحدة منهما، لكن المد في المتعدي أشهر، والقصر في اللازم أشهر، ومعنى: آواه الله: جعل الله له فيه مكانا وفسحة لما انضم إليه، أعني مجلس النبي، عليه الصلاة والسلام. وقيل: قربه إلى موضع نبيه، عليه الصلاة والسلام، وقيل: يؤويه إلى ظل عرشه. وقال الجوهري: أوى فلان إلى منزله يأوي أويا، على فعول، وآويته إيواء وأويته: إذا أنزلته بك. فعلت وأفعلت بمعنى.
بيان الإعراب: قوله: (بينما) قد مر غير مرة أن: بينما، أصله: بين، زيدت فيه لفظة: ما. وهو من الظروف التي لزمت إضافتها إلى الجملة، وفي بعض النسخ: بينا، بغير لفظة: ما، وأصل: بينا، أيضا بين، فاشبعت فتحة النون بالألف، والعامل فيه معنى المفاجأة المستفادة من لفظة: إذ أقبل، وقد قلنا: إن الأصمعي لا يستفصح مجيء إذا وإذ في جواب بين. قوله: (هو)، مبتدأ و: جالس، خبره. وقوله: (في المسجد) حال، كذا قوله: (والناس معه) جملة حالية. قوله: (إذ أقبل) جواب: بينما. وقوله: (ثلاثة نفر) فاعل أقبل. قوله: (وذهب واحد)، جملة فعلية عطف على قوله: (فأقبل اثنان). قوله: (فوقفا) عطف على قوله: (أقبل اثنان) قوله: (فأما)، كلمة: اما، للتفصيل، و: أحدهم، مرفوع بالابتداء وخبره: فرأى فرجة، وإنما دخلت: الفاء، لتضمن: اما، معنى الشرط. وإنما أخرت إلى الخبر كراهة أن يوالى بين حرفي الشرط والجزاء لفظا. قوله: (فجلس فيها) عطف على قوله: (فرأى)، والكلام في إعراب: (وأما الآخر فجلس خلفهم)، كالكلام في الأول، وخلفهم، نصب على الظرفية، وكذا الكلام في: أدبر. قوله: (ذاهبا). حال. قوله: (قال: ألا) جواب لما، وألا، حرف التنبيه سواء فيه ما كان المخاطب به مفردا أو مثنى أو مجموعا، ويحتمل أن تكون الهمزة للاستفهام، و: لا، للنفي. قوله: (أما أحدهم) الكلام في إعرابه، وفي إعراب: أما، الثانية والثالثة مثل الكلام في إعراب: أما أحدهما فرأى فرجة.
بيان المعاني: قوله: (إذ أقبل ثلاثة نفر): اعلم أن ههنا إقبالين: أحدهما: إقبالهم أولا من الطريق، أقبلوا ودخلوا المسجد مارين، يدل عليه حديث أنس رضي الله عنه: (فإذا ثلاثة نفر يمرون)، والآخر: إقبال الاثنين منهم حين رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الثالث فإنه استمر ذاهبا. وبهذا التقدير سقط سؤال من قال: كيف قال أولا: أقبل ثلاثة؟ ثم قال: فأقبل اثنان؟ والحال لا يخلو من أن يكون المقبل اثنين أو ثلاثة. قوله: (فوقفا) زاد في رواية (الموطأ): (فلما وقفا سلما)، وكذا عند الترمذي والنسائي، ولم يذكر البخاري ههنا، ولا في الصلاة، السلام وكذا لم يقع في رواية مسلم. ومعنى قوله: (فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو معناه: أشرفا عليه، ومنه وقفته على ذنبه أي: أطلعته عليه. وقال بعضهم: على، بمعنى: عند. قلت: لم تجىء: على، بمعنى: عند، فمن ادعى ذلك فعليه البيان من كلام العرب. قوله: (وأما الآخر)، بفتح الخاء بمعنى: وأما الثاني، لأن الآخر، بالفتح، أحد الشيئين، وهو اسم أفعل، والأنثى: أخرى إلا أن فيه معنى الصفة، لأن أفعل من كذا لا يكون إلا في الصفة. وأما الآخر بكسر الخاء، فهو بعد الأول، وهو صفة، يقال: جاء آخرا، أي: أخيرا. وتقديره فاعل، والأنثى آخرة، والجمع أواخر. قوله: (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: عما كان مشتغلا به من الخطبة، وتعليم العلم أو الذكر، ونحوه. قوله: (أما أحدهم) فيه حذف تقديره قالوا: أخبرنا، فقال: أما أحدهم فاوى إلى الله أي: لجأ إلى الله. وقال القاضي: معناه: دخل مجلس ذكر الله. قوله: (فآواه الله)، من باب المشاكلة. والمقابلة، كما في قوله تعالى: * (ومكروا ومكر الله) * (آل عمران: 54) فسمى مجازاته باسم فعله بطريق المجاز، وذلك لأن الإيواء هو الإنزال عندك، وهو لا يتصور في حق الله تعالى، فيكون مجازا عن لازمه، وهو إرادة إيصال الخير ونحوه، فيكون من ذكر الملزوم، وإرادة اللازم. ويقال: معناه فآواه الله إلى جنته. قوله: (وأما الآخر فاستحيى) أي: ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي، عليه الصلاة والسلام، والحاضرين. قاله القاضي عياض.