8 ((باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها)) الكلام فيه على نوعين: الأول: أن التقدير: هذا باب في بيان شأن من قعد... إلى آخره، وهو مرفوع على الخبرية مضاف إلى من، وهي موصولة، و: قعد، جملة الفعل والفاعل صلتها، و: حيث، ظرف للمكان منصوب على الظرفية محلا، وبني على الضم تشبيها بالغايات. ومن العرب من يعربه. قوله: (المجلس)، مرفوع بقوله: ينتهي. قوله: (ومن رأى) عطف على: من قعد، و (الفرجة) بضم الفاء وفتحها، لغتان، وهي الخلل بين الشيئين؛ قاله النووي. وقال النحاس: الفرجة، بالفتح، في الأمر، والفرجة بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه، وفي (العباب): الفرجة، بالكسر، والفرجة بالضم لغتان في فرجة الهم. وقال أيضا:
الفرجة يعني، بالفتح: التفصي من الهم. وقال الأزهري: الفرجة: الراحة من الغم، وذكر فيها فتح الفاء وضمها وكسرها، وقد فرج له في الحلقة والصف ونحو ذلك، بفتح العين، يفرج بضمها، ولم يذكر الجوهري في الفرجة بين الشيئين غير الضم، وفي التفصي من الهم غير الفتح، وأنشد عليه:
* ربما تكره النفوس من الأم * ر له فرجة كحل العقال * (والحلقة)، هنا بإسكان اللام، وحكى الجوهري فتحها، والأول أشهر. وفي (العباب): الحلقة، بالتسكين: الدروع، وكذلك حلقة الباب، وحلقة القوم، والجمع الحلق على غير قياس، وقال الأصمعي: الجمع الحلق، مثال: بدرة وبدر، وقصعة وقصع. ونهى رسول الله، عليه الصلاة والسلام، عن الحلق قبل الصلاة، يعني صلاة الجمعة، نهاهم عن التحليق والاجتماع على مذاكرة العلم قبل الصلاة، وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء: حلقة، في الواحد بالتحريك. والجمع: حلق وحلقات. وقال ثعلب: كلهم يجيز ذلك على ضعف. وقال الفراء في نوادره: الحلقة، بكسر اللام، لغة للحارث بن كعب في الحلقة والحلقة. وقال ابن السكيت: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: ليس في كلام العرب حلقة، بالتحريك، إلا في قولهم: هؤلاء حلقة، للذين يحلقون الشعر جمع حالق. الثاني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول فيه ذكر المناولة، وهي تكون في مجلس العلم، وهذا الباب في بيان شأن من يأتي إلى المجلس كيف يقعد، والمراد منه مجلس العلم، وقال بعضهم: مناسبة هذا الباب لكتاب العلم من جهة أن المراد بالحلقة: حلقة العلم، فيدخل في آداب الطالب من هذا الوجه. قلت: هذا القائل أخذ هذا من كلام الكرماني، ومع هذا فليس هذا بيان وجه المناسبة بين البابين، وإنما هو بيان وجه مناسبة إدخال هذا الباب في كتاب العلم، وليس القوة إلا في بيان وجوه المناسبة بين الأبواب المذكورة في كتب هذا الكتاب، وقال الشيخ قطب الدين: هذا الباب حقه أن يأتي عقب باب: من رفع صوته بالعلم، أو عقب باب: طرح المسألة، لأن كليهما من آداب العالم، وهذا الباب من آداب المتعلم، وما بعد هذا الباب يناسب الباب الذي قبله، وهو قوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رب مبلغ أوعى من سامع). لأن فيه معنى التحمل عن غير العارف، وغير الفقيه. قلت: الذي ذكرناه أنسب لأن الباب السابق في بيان مناولة العالم في مجلس علمه، وهذا الباب في بيان أدب من يحضر هذا المجلس، كما ذكرنا.
66 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله أبي طلحة أن أبا مرة، مولى عقيل بن أبي طالب، أخبره عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه).
(الحديث 66 طرفه في 474).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، لأن الترجمة فيمن قعد حيث ينتهي به المجلس، وفيمن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها