ومجسد، لأنها مأخوذة في المعنى من: أصحفت، أي: جمعت فيه الصحف، وأطرف، أي جعل في طرفيه علما، وأجسد، أي: ألصق بالجسد، وكذلك المغزل، إنما هو أدير وفتل، وقال أبو زيد: تميم تقول بكسر الميم، وقيس تقول بضمها. ثم قلنا: إن المصحف ما جمعت فيه الصحف، والصحف، بضمتين، جمع صحيفة، والصحيفة: الكتاب. قال الله تعالى * (صحف إبراهيم وموسى) * (الأعلى: 19) يعني: الكتب التي أنزلت عليهما، وأصل التركيب يدل على انبساط في الشيء وسعة، ثم هذا الذي ذكره البخاري من قوله: قال أنس: نسخ عثمان المصاحف، قطعة من حديث لأنس، رضي الله عنه، ذكره البخاري في فضائل القرآن عن أنس: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية، وفيه: ففزع حذيفة من اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان، رضي الله عنه: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة، رضي الله عنها، أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، رضي الله عنهم، فنسخوها في المصاحف، وفيه: حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا. وفي غير البخاري: أن عثمان، رضي الله عنه، بعث مصحفا إلى الشام، ومصحفا إلى الحجاز، ومصحفا إلى اليمن، ومصحفا إلى البحرين، وأبقى عنده مصحفا ليجتمع الناس على قراءة ما يعلم ويتيقن. وقال أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان كتب أربع نسخ، فبعث إحداهن إلى البصرة، وأخرى إلى الكوفة، وأخرى إلى الشام، وحبس عنده أخرى. وقال أبو حاتم السجستاني: كتب سبعة، فبعث إلى مكة واحدا، وإلى الشام آخر، وإلى اليمن آخر وإلى البحرين آخر، وإلى البصرة آخر، وإلى الكوفة آخر، ودلالة هذا على تجويز الرواية بالمكاتبة ظاهرة، فإن عثمان، رضي الله عنه، أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف، ومخالفة ما عداها. والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو قبول إسناد صورة المكتوب بها، لا أصل ثبوت القرآن، فإنه متواتر.
ورأى عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك ذلك جائزا.
أي: عبد الله بن عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمان القرشي العدوي المدني، ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ومالك بن أنس المدني. أما عبد الله ابن عمر هذا فإنه روي عنه أنه قال: كنت أرى الزهري يأتيه الرجل بكتاب لم يقرأه عليه، ولم يقرأ عليه، فيقول: أرويه عنك؟ فيقول: نعم. وقال: ما أخذنا نحن ولا مالك عن الزهري إلا عرضا. وأما يحيى ومالك فإن الأثر عنهما بذلك أخرجه الحاكم في (علوم الحديث) من طريق إسماعيل بن أبي أويس. قال: سمعت خالي، مالك بن أنس، يقول: قال يحيى بن سعيد الأنصاري، لما أراد الخروج إلى العراق: التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب، حتى أرويها عنك! قال مالك: فكتبتها، ثم بعثتها إليه. وقال بعضهم: عبد الله بن عمر هذا، كنت أظنه، العمري المدني، ثم ظهر لي، من قرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد، أنه ليس إياه، لأن يحيى بن سعيد أكبر منه سنا وقدرا، فتتبعته فلم أجده. عن عبد الله بن عمر بن الخطاب صريحا، ولكن وجدت في (كتاب الوصية) لابن القاسم بن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى أبي عبد الله الحبلي، بضم المهملة والموحدة، أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث، فقال انظر في هذا الكتاب، فما عرفت منه أتركه، وما لم تعرفه امحه. وعبد الله: يحتمل أن يكون هو ابن عمر بن الخطاب فأن الحبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاص، فإن الحبلي مشهور بالرواية منه. قلت: فيه نظر من وجوه: الأول: أن تقديم عبد الله بن عمر المذكور على يحيى بن سعيد لا يستلزم أن يكون هو العمري المدني المذكور، فمن ادعى ذلك فعليه بيان الملازمة. الثاني: أن قول الحبلي: إنه أتى عبد الله، لا يدل بحسب الاصطلاح إلا على عبد الله بن مسعود، فإنه إذا أطلق عبد الله غير منسوب يفهم منه عبد الله بن مسعود إن كان مذكورا بين الصحابة، وعبد الله بن المبارك إن كان فيما بعدهم. الثالث: أنه إن أراد من قوله: ويحتمل أن يكون هو عبد الله بن عمرو بن العاص، أن يكون المراد من قول البخاري من: عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص، فذاك غير صحيح، لأنه لم يثبت في نسخة من نسخ البخاري إلا عبد الله بن عمر، بدون الواو، والذي يظهر لي أن عبد الله بن عمر هذا هو العمري المدني كما