المراد تحريم جملته لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم وكذا لسانه الناطق بالتوحيد * ومنها أن ذلك لمن قاله الكلمة وأدى حقها وفريضتها وهو قول الحسن * ومنها ما قيل أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي وهو قول سعيد بن المسيب وجماعة وقال بعضهم فيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بن حنبل بإسناد حسن وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة رضي الله عنه قلت في النظر نظر لأنه يحتمل أن يكون ما رواه أبو هريرة وأبو موسى عن أنس رضي الله عنه كلاهما قد روياه عنه ما رواه قبل نزول الفرائض ووقعت روايتها بعد نزول أكثر الفرائض قوله إلا حرمه الله على النار معنى التحريم المنع كما في قوله تعالى * (وحرام على قرية أهلكناها) * فإن قلت هل في المعنى فرق بين حرمه الله على النار وحرم الله عليه النار قلت لا اختلاف إلا في المفهومين وأما المعنيان فمتلازمان فإن قلت هل تفاوت بين ما في الحديث وما ورد في القرآن * (حرم الله عليه الجنة) * قلت يحتمل أن يقال النار منصرفة والجنة منصرف منها والتحريم إنما هو على المنصرف أنسب فروعي المناسبة قوله قال إذا يتكلوا قد قلنا أن معناه إن أخبرتهم يمتنعوا عن العمل اعتمادا على الكلمة وروى البزار من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القضية أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ رضي الله عنه في التبشير فلقيه عمر رضي الله عنه فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا أن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال فرده فرده وهذا معدوده موافقات عمر رضي الله عنه قلت فيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم قوله عند موته أي عند موت معاذ رضي الله عنه وقال الكرماني الضمير في موته يرجع إلى معاذ وإن احتمل أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والعندية على هذا الاحتمال باعتبار التأخر عن الموت وعلى الأول أي على ما هو الظاهر باعتبار التقدم على الموت وقال بعضهم أغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ويرده ما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن يتكلوا فذكر الحديث انتهى كلامه قلت الحديث المذكور لا يرد ما قاله الكرماني ولا ينافيه لأنه يحتمل أن يكون أخبر به الناس عند موت النبي صلى الله عليه وسلم والآخرين عند موت نفسه ولا منافاة بينهما ثم إن صنيع معاذ رضي الله عنه أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا وقد قيل أن النهي كان مقيدا بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وبهذا خرج الجواب عما قيل هب أنه تأثم من الكتمان فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبشير وقيل أن المنع لم يكن إلا من العوام لأنه من الأسرار الإلهية لا يجوز كشفها إلا للخواص خوفا من أن يسمع ذلك من لا علم له فيتكل عليه ولهذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا من أمن عليه الاتكال من أهل المعرفة وسلك معاذ أيضا هذا المسلك حيث أخبر به من الخاص من رآه أهلا لذلك ولا يبعد أيضا أن يقال نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا ثلاث مرات كان للتوقف في إفشاء هذا السر عليه أيضا وقال عياض لعل معاذا لم يفهم النهي لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم وقال بعضهم الرواية الآتية صريحة في النهي قلت لا نسلم أن النهي صريح في الحديث الآتي وإنما فهم النهي من الحديثين كليهما بدلالة النص وهي فحوى الخطاب قوله وأخبر بها الخ مدرج من أنس رضي الله عنه (بيان استنباط الأحكام) * الأول فيه أنه يجب أن يخص بالعلم قوم فيهم الضبط وصحة الفهم ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله من الطلبة ومن يخاف عليه الترخص والاتكال لتقصير فهمه * الثاني فيه جواز ركوب الاثنين على دابة واحدة * الثالث فيه منزلة معاذ رضي الله عنه وعزته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم * الرابع فيه تكرار الكلام لنكتة وقصد معنى * الخامس فيه جواز الاستفسار من الإمام عما يتردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده * السادس فيه الإجابة بلبيك وسعديك * السابع فيه بشارة عظيمة للموحدين 68 - (حدثنا مسدد قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال سمعت أنسا قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة قال ألا أبشر الناس قال لا إني أخاف أن يتكلوا)
(٢٠٨)