.
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما).
بيان رجاله: وهم خمسة قد ذكروا كلهم، وعثمان هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث والعنعنة. ومنها: أن رواته كلهم كوفيون. ومنها: أنهم أئمة أجلاء.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن سليمان بن حرب عن شعبة، وفي كتاب الخمس في: باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره عن بندار عن غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة، وفي التوحيد عن محمد بن كثير عن الثوري عن الشعبي. وأخرجه مسلم في الجهاد عن أبي موسى وبندار وعن غندر عن شعبة بن عمرو بن مرة وعن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وابن راهويه عن جرير عن منصور، ثلاثتهم عن أبي وائل عن أبي موسى. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن حفص بن عمرو عن شعبة، وعن علي بن مسلم عن أبي داود عن شعبة عن عمرو بن مرة، قال: سمعت عن أبي وائل حديثا أعجبني، فذكر معناه. وأخرجه الترمذي فيه عن هناد عن أبي معاوية به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن عبد الله بن نمير به.
بيان اللغات والإعراب: قوله: (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) إنما عداه بكلمة الانتهاء مع أن: جاء، جاء متعديا بنفسه إشعارا بأن المقصود بيان انتهاء المجيء إليه. قوله: (فقال) عطف على قوله: (فجاء). قوله: (ما القتال؟) مبتدأ وخبر وقع مقولا للقول. قوله: (فإن أحدنا) الفاء فيه للتعليل. قوله: (يقاتل)، جملة في محل الرفع لأنها خبر: إن. قوله: (غضبا) نصب على أنه مفعول له، والغضب حالة تحصل عند غليان الدم في القلب لإرادة الانتقام. قوله: (حمية)، بفتح الحاء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف: نصب على أنه مفعول له أيضا. قال الجوهري: حميت عن كذا حمية، بالتشديد، وتحمية إذا أنفت منه وداخلك عار وأنفة أن تفعله. وقال غيره: الحمية هي المحافظة على الحرم. وقيل: هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن العشيرة، والأول: إشارة إلى مقتضى القوة الغضبية، والثاني: إلى مقتضى القوة الشهوانية. أو الأول: لأجل دفع المضرة، والثاني: لأجل جلب المنفعة. قوله: (فرفع إليه) أي: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السائل. قوله: (وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما)، ظاهره أن القائل هو أبو موسى، ويحتمل أن يكون من دونه فيكون مدرجا في أثناء الخبر، وهو استثناء مفرغ وأن مع اسمها وخبرها في تقدير المصدر أي: ما رفع لأمر من الأمور إلا لقيام الرجل. قوله: (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الجواب عن سؤال السائل المذكور. فإن قلت: السؤال عن ماهية القتال، والجواب ليس عنها بل عن المقاتل. قلت: فيه الجواب وزيادة، أو أن القتال بمعنى اسم الفاعل أي: المقاتل، بقرينة لفظ: فإن أحدنا. ولفظة: ما إن قلنا: إنه عام للعالم ولغيره فظاهر، وإن قلنا إنه لغيره فكذلك إذا لم يعتبر معنى الوصفية فيه إذ صرحوا بنفي الفرق بين العالم وغيره عند اعتبارها. وقال الزمخشري، في قوله تعالى: * (بل له ما في السماوات وما في الأرض كل له قانتون) * (البقرة: 116) فإن قلت: كيف جاء بما الذي لغير أولي العلم مع قوله: * (قانتون) *؟ قلت: هو كقوله: سبحان ما سخركن لنا، أو نقول: ضمير (فهو) راجع إلى القتال الذي في ضمن قاتل، أي: فقتاله قتال في سبيل الله.
فإن قلت: فمن قاتل لطلب ثواب الآخرة أو لطلب رضى الله تعالى عنه فهل هو في سبيل الله؟ قلت: نعم لأن طلب إعلاء الكلمة، وطلب الثواب والرضى كلها متلازمة، وحاصل الجواب أن القتال في سبيل الله قتال منشؤه القوة العقلية لا القوة الغضبية أو الشهوانية، وانحصار القوى الإنسانية في هذه الثلاث مذكور في موضعه. قوله: (لتكون)، أي: لأن تكون، واللام: لام كي. قوله: (كلمة الله) أي: دعوته إلى الإسلام. وقيل: هي قوله: لا إله إلا الله. قوله: (هي)، فصل، أو مبتدأ. وفيها تأكيد فضل كلمة الله تعالى في العلو، وأنها المختصة به دون سائر الكلام. قوله: (فهو) مبتدأ. و (في سبيل الله) خبر لقوله: (من)، وإنما دخلت الفاء لتضمن من معنى الشرط.
بيان استنباط الأحكام: الأول: فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة. الثاني: فيه أن الإخلاص شرط في العبادة، فمن كان له الباعث الدنياوي فلا شك في بطلان عمله، ومن إذا كان الباعث الديني أقوى فقد حكم الحارث المحاسبي بإبطال العمل تمسكا بهذا الحديث، وخالفه الجمهور وقالوا: العمل صحيح. وقال محمد بن جرير الطبري: إذا ابتدأ العمل به لا يضره ما عرض بعده من عجب يطرأ عليه. الثالث: فيه أن الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى. الرابع: فيه أنه لا بأس أن يكون المستفتي واقفا إذا كان هناك عذر، وكذلك طلب الحاجة. الخامس: فيه إقبال المتكلم على المخاطب. السادس: