عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٤
من تتمة الحديث أو غرضه أني لما رويت أول الحديث بادر ابن الزبير إلى رواية آخره إشعارا بأن الحديث معلوم له أيضا أو أن الأسود أشار إلى أول الحديث كما يقال قرأت * (ألم ذلك الكتاب) * وأراد به السورة بتمامها فبين ابن الزبير أن آخره ذلك قلت هذه ثلاثة أجوبة وليس الصواب منها إلا الجواب الثاني لأن عبد الله بن الزبير روى الحديث أيضا عن عائشة رضي الله عنها ثم قال أيضا فإن قلت فالقدر الذي ذكره ابن الزبير هل هو موقوف عليه قلت اللفظ يقتضي الوقوف إذ لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن السياق يدل على أنه مرفوع والروايات الأخر أيضا دالة على رفعه قلت من علم أن ابن الزبير أيضا روى هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها لا يحتاج إلى هذا السؤال ولا إلى جوابه قوله ففعله ابن الزبير أي فعل المذكور من النقض وجعل البابين * قال الشيخ قطب الدين قالوا بني البيت خمس مرات بنته الملائكة ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين وقيل خمس وعشرين وفيه سقط على الأرض حين رفع إزاره ثم بناه ابن الزبير ثم بناه حجاج بن يوسف واستمر. ويروى أن هارون سأل مالكا عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة فقال مالك نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت لعبة للملوك لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس انتهى قلت بنته الملائكة أولا ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم العمالقة ثم جرهم ثم قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رجل شاب ثم ابن الزبير ثم حجاج (بيان استنباط الأحكام) * الأول قال ابن بطال فيه أنه قد يترك يسير من الأمر بالمعروف إذا خشي منه أن يكون سببا لفتنة قوم ينكرونه. الثاني فيه أن النفوس تحب أن تساس كلها لما تأنس إليه في دين الله من غير الفرائض. الثالث قال النووي فيه أنه إذا تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدأ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن رد الكعبة إلى قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة ولكن يعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا لما كانوا يرون تغييرها عظيما فتركها النبي صلى الله عليه وسلم * الرابع فيه فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتناب ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحد * الخامس فيه تأليف قلوبهم وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي * السادس استدل به أبو محمد الأصيلي منه في مسائل من النكاح في جارية يتيمة غنية كان لها ابن عم وكان فيه ميل إلى الصباء فخطب ابنت عمه وخطبها رجل غني فمال إليه الوصي وكانت اليتيمة تحب ابن عمها ويحبها فأبى وصيها أن يزوجها منه ورفع ذلك إلى القاضي وشاور فقهاء بلده فكلهم أفتى أن لا يزوج ابن عمها وأفتى الأصيلي أن تزوج منه خشية أن يقعا في المكروه استدلالا بهذا الحديث فزوجت منه * ((باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا)) أي هذا باب في بيان من خص وكلمة من موصولة وقوله دون قوم بمعنى غير قوم قوله كراهية بالنصب على التعليل مضاف إلى قوله أن لا يفهموا وأن مصدرية والتقدير لأجل كراهية عدم فهم القوم الذين هم غير القوم الذين خصهم بالعلم والكراهية بتخفيف الياء مصدر الكراهة من كره الشيء يكرهه كراهة وكراهية. وجه المناسبة بين البابين من حيث أن في الباب الأول ترك بعض المختار مخافة قصور فهم بعض الناس وههنا أيضا ترك بعض الناس من التخصيص بالعلم لقصور فهمهم والترجمتان متقاربتان غير أن الأولى في الأفعال وهذه في الأقوال (وقال علي حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه كذا وقع هذا الأثر مبتدأ به بصورة التعليق في أصل الهروي والدمياطي ثم عقب بالإسناد وسقط كله في رواية أبي ذر عن الكشميهني قوله حدثوا بصيغة الأمر أي كلموا الناس بما يعرفون أي بما يفهمون والمراد كلموهم على قدر عقولهم وفي كتاب العلم لآدم بن أبي إياس عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»