عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٢٠١
مرادهم، لأن الروح جاء في القرآن على معان. قال الله تعالى: * (نزل به الروح الأمين) * (الشعراء: 193) وقال: * (تنزل الملائكة والروح فيها) * (القدر: 4) وقال: * (روحا من أمرنا) * (الشورى: 52) * (يوم يقوم الروح) * (النبأ: 38) فلو عينوا سؤالهم لأمكنه أن يجيبهم. قال هذا القائل: ويمكن أن يكون سؤالهم عن روح بني آدم، لأنه مذكور في التوراة أنه لا يعلمه: إلا الله. وقالت اليهود: إن فسر الروح فليس بنبي، فلذلك لم يجبهم. قال عياض وغيره: اختلف المفسرون في الروح المسؤول عنها، فقيل: سألوه عن عيسى، عليه الصلاة والسلام. فقال لهم: الروح من أمر الله، يعني: إنما هو شيء من أمر الله تعالى، كما تقول النصارى، وكان ابن عباس يكتم تفسير الروح. وعن ابن عباس وعلي رضي الله عنهم: هو ملك من الملائكة يقوم صفا، وتقوم الملائكة صفا. قال تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * (النبأ: 38) وقيل: جبرائيل، عليه السلام وقيل: القرآن، لقوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * (الشورى: 52) وقال أبو صالح: هو خلق كخلق بني آدم ليسوا ببني آدم لهم أيد وأرجل. وقيل: طائفة من الخلق لا ينزل ملك إلى الأرض إلا نزل معه أحدهم. وقيل: ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة. وقيل: علم الله أن الأصلح لهم أن لا يخبرهم ما هو، لأن اليهود قالوا: إن فسر الروح فليس بنبي، وهذا معنى قوله: (لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه)، فقد جاءهم بذلك لأن عندهم في التوراة كما ذكره لهم أنه من أمر الله تعالى، لن يطلع عليه أحد. وذكر ابن إسحاق أن نفرا من اليهود قالوا: يا محمد! أخبرنا عن أربع نسألك عنهن... وذكر الحديث، وفيه: (فقالوا يا محمد! أخبرنا عن الروح. قال: أنشدكم بالله هل تعلمون جبرائيل، عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يأتيني؟ قالوا: اللهم نعم، ولكنه يا محمد هو لنا عدو وهو ملك يأتي بالشدة وسفك الدماء، ولولا ذلك لاتبعناك. فأنزل الله تعالى: * (من كان عدوا لجبريل) * (البقرة: 97) قال بعضهم: هذا يدل على أن سؤالهم عن الروح الذي هو جبريل، والله أعلم.
وأما روح بني آدم فقال المازري: الكلام على الروح مما يدق، وقد ألفت فيه التآليف، وأشهرها ما قاله الأشعري: إنه النفس الداخل والخارج. وقال القاضي أبو بكر: هو متردد بين ما قاله الأشعري وبين الحياة. وقيل: جسم مشارك للأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة. وقيل: جسم لطيف خلقه الباري سبحانه، وأجرى العادة بأن الحياة لا تكون مع فقده فإذا شاء الله موته أعدم هذا الجسم منه عند انعدام الحياة، وهذا الجسم وإن كان حيا فلا يحيى إلا بحياة تختص به، وهو مما يصح عليه البلوغ إلى جسم ما من الأجسام، ويكون في مكان في العالم، أو في حواصل طير خضر إلى غير ذلك مما وقع في الظواهر، إلى غيره من جواهر القلب، والجسم الحياة. وقال غيرهما: هو الدم. وقد ذكر بعضهم في الروح سبعين قولا.
واختلف هل الروح والنفس واحد أم لا؟ والأصح أنهما متغايران، فإن النفس الإنسانية هي الأمر الذي يشير إليه كل واحد منا بقوله: أنا، وأكثر الفلاسفة لم يفرقوا بينهما. قالوا: النفس هو الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، ويسمونها: الروح الحيوانية، وهي الواسطة بين القلب الذي هو النفس الناطقة،، وبين البدن. وقال بعض الحكماء والغزالي: النفس مجردة، أي: غير جسم ولا جسماني. وقال الغزالي: الروح جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز، وإنه ليس بداخل الجسم ولا خارجا عنه، وليس متصلا به ولا منفصلا عنه، وذلك لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات، واعترض عليه بوجوه قد عرفت في موضعها. وقيل: الروح عرض لأنه لو كان جوهرا، والجواهر متساوية في الجوهرية، للزم أن يكون للروح روح آخر وهو فاسد. وقيل: إنه جوهر فرد متحيز وإنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الحيواني، وإنه حامل للصفات المعنوية. وقيل: إنه صورة لطيفة على صورة الجسم لها عينان وأذنان ويدان ورجلان في داخل الجسم يقابل كل جزء منه عضو نظيره من البدن وهو خيال. وقيل: إنه جسم لطيف في البدن سار فيه سريان ماء الورد فيه، وعليه اعتمد عامة المتكلمين من أهل السنة.
وقد كثر الاختلاف في أمر الروح بين الحكماء والعلماء المتقدمين قديما وحديثا، وأطلقوا أعنة النظر في شرحه، وخاضوا في غمرات ماهيته، فأكثرهم تاهوا في التيه، فالأكثرون منهم على أن الله تعالى أبهم علم الروح على الخلق واستأثره لنفسه حتى قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالما به. قلت: جل منصب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حبيب الله وسيد خلقه، أن يكون غير عالم بالروح، وكيف وقد من الله عليه بقوله: * (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * (النساء: 113). وقد قال أكثر العلماء: ليس في الآية دليل على أن الروح لا يعلم ولا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمها.
قوله: (قال الأعمش) أي: سليمان بن مهران. قوله: (هكذا في قراءتنا) رواية الكشميهني وفي رواية غيره: كذا في قراءتنا، يعني أوتوا بصيغة الغائب، وليست هذه
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»