صورتيهما صورة المنكر، وكان صحيحا في نفس الأمر له حكمة بينة، لكنها لا تظهر للخلق فإذا علمهم الله تعالى بها علموها، ولهذا قال: * (وما فعلته عن أمري) * (الكهف: 82) الثاني عشر: قال ابن بطال: وفيه أصل وهو: ما تعبد الله تعالى به خلقه من شريعته يجب أن يكون حجة على العقول، ولا تكون العقول حجة عليه، ألا ترى أن إنكار موسى، عليه الصلاة والسلام، كان صوابا في الظاهر، وكان غير ملوم فيه، فلما بين الخضر وجه ذلك صار الصواب الذي ظهر لموسى في إنكاره خطأ، والخطأ الذي ظهر له من فعل الخضر صوابا، وهذا حجة قاطعة في أنه يجب التسليم لله تعالى في دينه ولرسوله في سنته، واتهام العقول إذا قصرت عن إدراك وجه الحكمة فيه. الثالث عشر: فيه أن قوله: * (وما فعلته عن أمري) * (الكهف: 82) يدل على أنه فعله بالوحي، فلا يجوز لأحد أن يقتل نفسا لما يتوقع وقوعه منها، لأن الحدود لا تجب إلا بعد الوقوع، وكذا لا يقطع على أحد قبل بلوغه، لأنه إخبار عن الغيب، وكذا الإخبار عن أخذ الملك السفينة، وعن استخراج الغلامين الكنز، لأن هذا كله لا يدرك إلا بالوحي. الرابع عشر: فيه حجة لمن قال بنبوة الخضر، عليه الصلاة والسلام. الخامس عشر: قال القاضي: فيه جواز إفساد بعض المال لإصلاح باقيه، وخصاء الأنعام، وقطع بعض آذانها لتميز.
الأسئلة والأجوبة: منها ما قيل: في قوله: (فإني نسيت الحوت) كيف نسي ذلك ومثله لا ينسى لكونه أمارة على المطلوب، ولأن ثمة معجزتين: حياة السمكة المملوحة المأكول منها على المشهور، وانتصاب الماء مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب منه؟ أجيب: بأنه قد شغله الشيطان بوسواسه والتعود بمشاهدة أمثاله عند موسى، عليه الصلاة والسلام، من العجائب والاستئناس بأخواته موجب لقلة الاهتمام به. ومنها ما قيل: في قوله: (على أن تعلمني مما علمت رشدا) أما دلت حاجته إلى التعلم من آخر في عهده أنه كما قيل: موسى بن ميشا لا موسى بن عمران، لأن النبي يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟
أجيب: لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله، وإنما يغض منه أن يأخذ ممن دونه. وقال الكرماني: هذا الجواب لا يتم على تقدير ولايته. قلت: هذا الجواب للزمخشري، وهو قائل بنبوته، كما ذهب إليه الجمهور، بل هو رسول وينبغي اعتقاد ذلك لئلا يتوسل به أهل الزيغ والفساد من المبتدعة الملاحدة في دعواهم: أن الولي أفضل من النبي، نعوذ بالله تعالى من هذه البدعة. وقال بعضهم: وفي هذا الجواب نظر، لأنه يستلزم نفي ما أوجب. قلت: هذه الملازمة ممنوعة، فلو بين وجهها لأجيب عن ذلك. ومنها ما قيل: في قوله: فحملوهما، وهم ثلاثة. فقال: كلموهم بلفظة الجمع، فلم قال: فحملوهما بالتثنية؟ أجيب: بأن يوشع كان تابعا فاكتفى بذكر الأصل عن الفرع. ومنها ما قيل: إن نسبة النقرة إلى البحر نسبة المتناهي إلى المتناهي، ونسبة علمهما إلى علم الله نسبة المتناهي إلى غير المتناهي، وللنقرة إلى البحر في الجملة نسبة ما بخلاف علمهما، فإنه لا نسبة له إلى علم الله. أجيب: بأن المقصود منه التشبيه في القلة والحقارة، لا المماثلة من كل الوجوه. ومنها ما قيل: متى كانت قصة الخضر مع موسى عليهما السلام؟ أجيب: حيث كان موسى في التيه، فلما فارقه الخضر رفع إلى قومه وهم في التيه. وقيل: كانت قبل خروجه من مصر. والله أعلم.
45 ((باب من سأل وهو قائم عالما جالسا)) أي: هذا باب في بيان من سأل، والحال أنه قائم، عالما جالسا. و: من، موصولة، و: الواو، للحال. و: عالما، مفعول: سأل. و: جالسا، صفة: عالما. ومقصود البخاري أن سؤال القائم العالم الجالس ليس من باب من يتمثل له الناس قياما، بل هذا جائز إذا سلمت النفس فيه من الإعجاب.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن في كل منهما سؤالا عن العالم، وهذا لأن في الأول سؤال موسى عن الخضر، وفي هذا سؤال القائم عن العالم الجالس.
123 حدثنا عثمان قال: أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل).