قوله: (فلان)، منون، وفي بعضها بعد فلان: وإنما ذلك قراءة عليهم، وقال ابن بطال: وهذه حجة قاطعة، لأن الإشهاد أقوى حالات الإخبار، وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكتابة من طريق ابن وهب، قال: سمعت مالكا، وسئل عن الكتب التي تعرض عليه: أيقول الرجل: حدثني؟ قال: نعم، كذلك القرآن، أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول، أقرأني فلان، فكذلك إذا قرىء على العالم صح أن يروى عنه، وروى الحاكم في علوم الحديث عن طريق مطرف، قال: صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيت قرأ (الموطأ) على أحد، يقرأون عليه. قال: وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول: لا يجزيه إلا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزيك هذا في الحديث، ويجزيك في القرآن، والقرآن أعظم؟
حدثنا محمد بن سلام حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن عوف عن الحسن قال: لا بأس بالقراءة على العالم.
هذا إسناده فيما ذكره عن الحسن أولا معلقا عن محمد بن سلام، بتخفيف اللام على الأصح، البيكندي، عن محمد بن الحسن بن عمران المزني، قاضي واسط، أخرج له البخاري هذا الأثر هنا خاصة، وثقه ابن معين: وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأحمد: ليس به بأس، توفي سنة تسع وثمانين ومائة، وهو يروي عن عوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي عن الحسن البصري، وروى الخطيب هذا الأثر بأتم سياقا منه من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي: أن رجلا سأل الحسن، فقال: يا أبا سعيد، منزلي بعيد والاختلاف يشق علي، فإن لم تكن ترى بأسا قرأت عليك. قال: ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي. قال: فأقول: حدثني الحسن؟ قال: نعم، قل: حدثني الحسن. قوله: (لا بأس)، أي: في صحة النقل عن المحدث بالقراءة على العالم أي الشيخ، وقوله: (على العالم) ليس خبرا لقوله: لا بأس، بل هو متعلق بالقراءة.
حدثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: إذا قرىء على المحدث فلا بأس أن تقول: حدثني. قال: وسمعت أبا عاصم يقول: عن مالك وسفيان: القراءة على العالم وقراءته سواء.
هذا إسناده فيما ذكره عن سفيان الثوري ومالك بن أنس أولا معلقا عن عبيد الله بن موسى بن باذام العبسي، بالمهملتين، عن سفيان الثوري. قوله: (فلا بأس)، أي على القارئ أن يقول: حدثني، كما جاز أن يقول: أخبرني، فهو مشعر بأن لا تفاوت عنده بين حدثني وأخبرني، وبين أن يقرأ على الشيخ أو يقرأه الشيخ عليه. قوله: (قال) أي البخاري، وسمعت أبا عاصم، وهو الضحاك بن مخلد، بفتح الميم، ابن الضحاك بن مسلم ابن رافع بن الأسود بن عمرو بن والان بن ثعلبة بن شيبان، البصري المشهور بالنبيل، بفتح النون وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام، لقب به لأنه قدم الفيل البصرة، فذهب الناس ينظرون إليه فقال له ابن جرير: مالك لا تنظر؟ فقال: لا أجد منك عوضا. فقال: أنت نبيل، أو لقب به لكبر أنفه أو لأنه كان يلزم زفر، رحمه الله تعالى، وكان حسن الحال في كسوته؟ وكان أبو عاصم آخر رث الحال ملازما له، فجاء النبيل يوما إلى بابه فقال الخادم لزفر: أبو عاصم بالباب! فقال له: أيهما؟ فقال: ذلك النبيل. وقيل: لقبه المهدي، مات في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين عن تسعين سنة وستة أشهر، وهذا الذي نقله أبو عاصم عن مالك وسفيان هو مذهبه أيضا فيما حكاه الرامهرمزي عنه، ثم اختلفوا بعد ذلك في مساواتهما للسماع من لفظة الشيخ في الرتبة، أو دونه، أو فوقه على ثلاثة أقوال: الأول: أنه أرجح من قراءة الشيخ وسماعه، قاله أبو حنيفة وابن أبي ذئب ومالك في رواية، وآخرون. واستحب مالك القراءة على العالم، وذكر الدارقطني في (كتاب الرواة) عن مالك أنه كان يذهب إلى أنها أثبت من قراءة العالم. الثاني: عكسه أن قراءة الشيخ بنفسه أرجح من القراءة عليه، وهذا ما عليه الجمهور، وقيل: إنه مذهب جمهور أهل المشرق. الثالث: أنهما سواء، وهو قول ابن أبي الزناد وجماعة، حكاه عنهم ابن سعد، وقيل: إنه مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، وهو مذهب مالك وأتباعه من علماء المدينة، ومذهب البخاري وغيرهم.