بمنزلة الحيوان. وإنما قلنا: إن العرض له معنيان لأنه لا يخلو إما أن يكون بقراءة أو لا، فالأول: يسمى عرض قراءة. والثاني: عرض مناولة، وهو أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب فيعرضه عليه، فيتأمل الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول له: وقفت على ما فيه، وهو حديثي عن فلان، فأجزت روايته عني، ونحوه.
ورأى الحسن والثوري ومالك القراءة جائزة.
أي: رأى الحسن البصري، وسفيان الثوري، والإمام مالك القراءة على المحدث جائزة في صحة النقل عنه، فذكر عنهم أولا معلقا، ثم أسند عنهم على ما يأتي عن قريب، إن شاء الله تعالى، وهذا كلام مستأنف غير داخل في الترجمة، وجوز الكرماني أن يكون داخلا في الترجمة بتأويل الفعل الماضي بالمصدر، أي: باب القراءة ورأى الحسن البصري، وهذا بعيد.
واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: الله أمرك أن نصلي الصلوات؟ قال: (نعم) قال: فهاذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه.
أراد: بالبعض، هذا، شيخه الحميدي، فإنه احتج في جواز القراءة على المحدث في صحة النقل عنه بحديث ضمام بن ثعلبة، فإنه قدم على النبي، عليه الصلاة والسلام، وسأله عن الإسلام، ثم رجع إلى قومه فأخبرهم به، فاسلموا. وقوله: (آلله أمرك) بهمزة الاستفهام في لفظة: (آلله)، وارتفاعه بالابتداء. وقوله: (أمرك) جملة خبره، قوله: (أن نصلي الصلاة) أي: بأن نصلي، والباء، مقدرة فيه، ونصلي: إما بتاء الخطاب أو بنون الجمع المصدرة على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى. قوله: (قال: نعم) أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الله أمرنا بأن نصلي. قوله: (فهذه قراءة) أي: قال البعض الذي احتج في القراءة على العالم بحديث ضمام: هذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الكرماني: أي قال البعض المحتج، وهو الحسن والثوري ونحوهما، وليس كذلك، فإن المراد بالبعض هو الحميدي كما ذكرنا. فإن قلت: يحتمل أن يكون هذا المحتج بعض المذكورين. أعني: الحسن والثوري ومالكا. قلت: لا يمنع من ذلك، ولكن حق العبارة على هذا أن يقال: قال البعض المحتج من هؤلاء المذكورين، لا كما يقوله الكرماني. قوله: (قراءة على النبي) هكذا هو في غالب النسخ بإظهار كلمة: على، التي للاستعلاء، وفي بعضها: قراءة النبي، فإن صحت تكون الإضافة فيه للمفعول، ويقدر على: فيه. قوله: (فأجازوه)، أي: قبلوا منه، وليس المراد الإجازة المصطلحة بين أهل الحديث، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى قوم ضمام، وجوز الكرماني: أن يرجع الضمير إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وصحابته، وهذا بعيد، سيما من حيث المرجع. لا يقال: إجازة قومه لا حجة فيه لأنهم كفرة، لأنا نقول: المراد الإجازة بعد الإسلام، أو كان فيهم مسلمون يومئذ. فإن قلت: قوله: أخبر قومه بذلك، ليس في الحديث الذي ساقه البخاري، فكيف يحتج به؟ قلت: إن لم يقع في هذا الطريق فقد وقع في طريق آخر، ذكره أحمد وغيره من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن الوليد عن كريب عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: (بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة)... فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: إن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم: (إن الله قد بعث رسولا، وأنزل الله عليه كتابا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى في ذلك اليوم وفي حاضرته رجل ولا امرأة إلا مسلما).
واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم فيقولون: أشهدنا فلان، ويقرأ ذلك قراءة عليهم، ويقرأ على المقرىء فيقول القارىء: أقرأني فلان.
أراد بالصك المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر. قال الجوهري: الصك: الكتاب، وهو فارسي معرب، والجمع صكاك وصكوك، وفي (العباب) وهو بالفارسية: صك، والجمع: أصك وصكاك وصكوك، وليلة الصك: ليلة البراءة، وهي ليلة النصف من شعبان، لأنه يكتب فيها من صكاك الأوراق. قوله: (يقرأ) بضم الياء فيه، وكذلك في: ويقرأ، الثاني.