عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ١٤
الشجرة، بكسر الشين، والشيرة، بكسر الشين والياء، وعن أبي عمرو أنه كرهها، وقال: يقرأ بها برابر مكة وسودانها. قوله: (البوادي)، جمع بادية وهي خلاف الحاضرة، والبدو مثل البادية، والنسبة إليهما بدوي، وعن أبي زيد: بداوي، وأصلها باء ودال وواو، من البدو، وهو الظهور، وهو ظاهر في معنى البادية، وفي بعض الروايات البواد، بحذف الياء، وهي لغة. قوله: (النخلة)، واحدة النخل وفي (العباب): النخل والنخيل بمعنى واحد، الواحدة نخلة.
بيان الإعراب: قوله: (شجرة) نصب لأنه اسم: إن، وخبرها قوله: (من الشجرة)، وكلمة: من، للتبعيض، ويجوز أن يكون المعنى من جنس الشجرة. قوله: (لا يسقط ورقها)، جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على أنها صفة لشجرة. قوله: (وأنها)، بالكسر عطف على (إن) الأولى. قوله (ما هي) مبتدأ وخبر والجملة سدت حسد المفعولين لفعل الحديث. قوله: (إنها النحلة). بفتح: أن لأنها فاعل وقع، والنخلة، مرفوع لأنها خبر ان. قوله: (حدثنا ما هي) مبتدأ وهي خبره، والجملة سدت مسد المفعولين أيضا، وقوله: (هي النخلة) مبتدأ وخبر وقعت مقول القول.
بيان المعاني: قوله: (إن من الشجر شجرة)، مخرج على خلاف مقتضى الظاهر، لأن المخاطبين فيه كانوا مستشرفين كاستشراف الطالب المتردد، فلذلك حسن تأكيده: بأن، وصوغه بالجملة الإسمية. قوله: (لا يسقط ورقها) صفة سلبية تبين أن موصوفها مختص بها دون غيره. قوله: (وإنها مثل المسلم) كذلك مخرج على خلاف مقتضى الظاهر، كما ذكرنا. قوله: (فوقع الناس في شجر البوادي) أي: ذهبت أفكارهم إلى شجر البوادي وذهلوا عن النخلة، فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع، يقال: وقع الطائر على الشجرة. إذا نزل عليها. قوله: (قال عبد الله) أي: عبد الله به عمر، رضي الله عنهما، قوله: (فاستحييت) زاد في رواية مجاهد، في: باب الفهم في العلم: (فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم). وله في الأطعمة: (فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم). وفي رواية نافع: (ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم). وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار عند البخاري، في باب الحياء في العلم، قال عبد الله: (فحدثت أبي بما وقع (نفسي)، فقال: لأن كنت قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا). زاد ابن حبان في (صحيحه): (احسبه قال: حمر النعم).
بيان البيان: قوله: (مثل المسلم)، بفتح الميم والثاء معا في رواية الأصيلي وكريمة، وفي رواية أبي ذر: مثل، بكسر الميم وسكون الثاء. قال الجوهري: مثل، كلمة تسوية. يقال: هذا مثله ومثيله. كما يقال: شبهه وشبيهه، بمعنى. وقال الزمخشري: المثل، في أصل كلامهم بمعنى المثل، يقال: مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلا ولا رأوه أهلا للتسيير، ولا جديرا بالتداول والقبول إلا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه. قلت: لضرب المثل شأن في إبراز خبيئات المعاني، ورفع الاستار عن الحقائق، فإن الأمثال تري المخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، ولا يضرب مثل إلا قول فيه غرابة، فإن قلت: ما المورد وما المضرب؟ قلت: المورد: الصورة التي ورد فيها ذلك القول، والمضرب هي الصورة التي شبهت بها. ثم اعلم أن المثل له مفهوم لغوي، وهو النظير. ومفهوم عرفي، وهو القول السائر، ومعنى مجازي وهو الحال الغريبة، واستعير المثل هنا كاستعارة الأسد للمقدام، للحال العجيبية أو الصفة الغريبة، كأنه قيل: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة، أو: صفة المسلم الغريبة كصفة النخلة، فالمسلم هو المشبه، والنخلة هو المشبه بها، وأما وجه الشبه فقد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجودها على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منها منافع كثيرة، من خشبها وورقها وأغصانها، فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومحاضر وحصرا وحبالا وأواني، وغير ذلك مما ينتفع به من أجزائها، ثم آخرها نواها ينتفع به، علفا للإبل وغيره، ثم جمال نباتها وحسن ثمرتها وهي كلها منافع، وخير وجمال، وكذلك المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ومواظبته على صلاته وصيامه وذكره والصدقة وسائر الطاعات، هذا هو الصحيح في وجه الشبه. وقال بعضهم: وجه التشبيه أن النخلة إذا قطعت رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر، وقال بعضهم: لأنها لا تحمل حتى تلقح، وقال بعضهم: لأنها تموت إذا مزقت أو فسد ما هو كالقلب لها. وقال بعضهم: لأن لطلعها رائحة المني، وقال بعضهم: لأنها تعشق كالإنسان، وهذه الأقوال كلها ضعيفة من حيث إن التشبيه إنما وقع بالمسلم، وهذه المعاني تشمل المسلم والكافر. قوله: (حدثنا) صورة أمر ولكن المراد منه الطلب والسؤال، وقد علم أن الأمر إذا كان
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»