عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٧
أن كيفيتها هي بالتوسد المذكور. قوله: (فانتظر الساعة) الفاء فيه للتفريع، أو جواب شرط محذوف يعني: إذا كان الأمر كذلك فانتظر الساعة. وليست هي جواب إذا التي في قوله: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله) لأنها لا تتضمن ههنا معنى الشرط. فإن قلت: كان ينبغي أن يقال: لغير أهله. قلت: إنما قال: إلى غير أهله، ليدل على معنى تضمين الإسناد.
بيان المعاني: قوله: (متى الساعة؟) أي: متى يكون قيام الساعة. قوله: (فكره ما قال): أي فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله الأعرابي، ولهذا لم يلتفت إلى الجواب. فلذلك حصل للصحابة، رضي الله عنهم، التردد، منهم من قال: سمع فكره، ومنهم من قال: لم يسمع، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها. قوله: (أين السائل عن الساعة؟) أي عن زمان الساعة. قوله: (إذا وسد الأمر) المراد به جنس الأمور التي تتعلق بالدين: كالخلافة والقضاء والإفتاء، ونحو ذلك. ويقال: أي بولاية غير أهل الذين والأمانات. ومن يعينهم على الظلم والفجور، وعند ذلك تكون الأئمة قد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم حتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين، وهذا إنما يكون إذا غلب الجهل وضعف أهل الحق عن القيام به. فإن قلت: تأخر الجواب عن السؤال ههنا، وهل يجوز تأخيره فيما يتعلق بالدين؟ قلت: الجواب من وجهين: الأول: بطريق المنع، فنقول: لا نسلم استحقاق الجواب ههنا، لأن المسألة ليست مما يجب تعلمها، بل هي مما لا يكون العلم بها إلا لله تعالى. والثاني: بطريق التسليم فنقوله: سلمنا ذلك، ولكنه يحتمل أن يكون، عليه السلام، مشتغلا في ذلك الوقت بما كان أهم من جواب هذا السائل، ويحتمل أنه أخره انتظارا للوحي، أو أراد أن يتم حديثه لئلا يختلط على السامعين، ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت في جواب سؤال سائل آخر متقدم، فكان أحق بتمام الجواب.
بيان استنباط الأحكام: وهو على وجوه. الأول: فيه وجوب تعليم السائل لقوله صلى الله عليه وسلم: (أين السائل) ثم إخباره عن الذي سأل عنه. الثاني: فيه أن من آداب المتعلم أن لا يسأل العالم ما دام مشتغلا بحديث أو غيره، لأن من حق القوم الذين بدأ بحديثهم أن لا يقطعه عنهم حتى يتمه. الثالث: فيه الرفق بالمتعلم وإن جفا في سؤاله أو جهل، لأنه، عليه الصلاة والسلام، لم يوبخه على سؤاله قبل إكمال حديثه. الرابع: فيه مراجعة العالم عند عدم فهم السائل، لقوله: كيف إضاعتها؟ الخامس : فيه جواز اتساع العالم في الجواب أنه ينبغي منه، إذا كان ذلك لمعنى أو لمصلحة. السادس: فيه التنبيه على تقديم الأسبق في السؤال لأنا قلنا: إنه يحتمل أن يكون تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب لكونه مشغولا بجواب سؤال سائل آخر، فنبه بذلك أنه يجب على القاضي والمفتي والمدرس تقديم الأسبق لاستحقاقه بالسبق.
3 ((باب من رفع صوته بالعلم)) أي: هذا باب من رفع صوته، فالباب: خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى: من، وهي موصولة، ورفع صوته، جملة صلتها. فإن قلت: كيف يتصور رفع الصوت بالعلم، والعلم صفة معنوية؟ قلت: هذا من باب إطلاق اسم المدلول على الدال، والتقدير: من رفع صوته بكلام يدل على العلم. فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ قلت: من حيث إن المذكور في الباب السابق سؤال السائل عن العلم، والعالم قد يحتاج إلى رفع الصوت في الجواب لأجل غفلة السائل ونحوها، لا سيما إذا كان سؤاله وقت اشتغال العالم لغيره، وهذا الباب يناسب ذاك الباب من هذه الحيثية.
60 حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمر و قال: تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثا مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وهي في قوله: (فنادى بأعلى صوته)، وهو رفع الصوت.
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»