عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٦
والوسدة: المخدة والجمع: وسد ووسائد. وسدته كذا أي: جعلته له وسادة، وتوسد الشيء جعله تحت رأسه. وقال بعضهم: قوله وسد أي: جعل له غير أهله وسادا. قلت: ليس معناه. كذا، بل المعنى: إذا وضعت وسادة الأمر لغير أهلها، والمراد من الأمر جنس الأمر الذي يتعلق بالدين، فإذا وضعت وسادته لغير أهلها تهان وتحقر، على ما نبينه عن قريب. قوله: (فانتظر) أمر من الانتظار.
بيان الإعراب: قوله: (بينما): أصله: بين، فزيدت عليه: ما، وهو ظرف زمان بمعنى المفاجأة. قوله: (النبي صلى الله عليه وسلم) مبتدأ، وقوله: (يحدث القوم)، جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره، ويحدث يقتضي مفعولين، وأحد المفعولين ههنا محذوف لدلالة السياق عليه، والقوم: هم الرجال دون النساء، وقد تدخل النساء فيه على سبيل التبع، لأن قوم كل نبي رجال ونساء، جمعه أقوام، وجمع الجمع أقاوم. وقوله: (في مجلس) حال. قوله: (جاءه أعرابي): جملة من الفعل والفاعل وهو: أعرابي، والمفعول وهو الضمير المنصوب في جاءه، العائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جواب: بينما، وهو العامل في: بينما. وقال الأصمعي: الأفصح في جوابه أن لا يكون بإذ وإذا. وقال غيره: بالعكس، والصواب معه لورود الحديث هكذا. وقيل: بينما ظرف يتضمن معنى الشرط، فلذلك اقتضى جوابا، وفيه نظر. قوله: (متى الساعة؟) مبتدأ وخبر، وكلمة: متى، ههنا للاستفهام. قوله: (يحدث) أي: يحدث القوم، وفي بعض الروايات بحديثه، بحرف الجر وفي رواية المستملي والحموي: يحدثه، بزيادة الهاء، وليست في رواية الباقين. والضمير المنصوب فيه لا يعود على الأعرابي، وإنما التقدير: يحدث القوم الحديث الذي كان فيه. فإن قلت: ما محل: يحدث، من الإعراب؟ قلت: محلها النصب على الحال من الضمير الذي في مضى. قوله: (فقال بعض القوم) من ههنا إلى قوله: (لم يسمع) جملة معترضة. فإن قلت: هل يجوز الاعتراض بالفاء؟ قلت: نعم جائز. قوله: (سمع) أي بالنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ما قال) أي الأعرابي، وما، موصولة. وقال: جملة صلته، والعائد محذوف أي: ما قاله. والجملة مفعول: سمع. ويجوز أن تكون ما مصدرية أي: سمع قوله، وكذلك الكلام في قوله: (فكره ما قال). قوله: (بل لم يسمع) قال الكرماني: علام عطف: بل لم يسمع؟ إذ لا يصح أن يعطف على ما تقدم، إذ الإضراب إنما يكون عن كلام نفسه، بل لا يصح عطف أصلا على كلام غير العاطف: قلت: لا نسلم امتناع صحة العطف، والإضراب بين كلام متكلمين، وما الدليل عليه سلمنا، لكن يكون الكل من كلام البعض الأول كأنه قال البعض الآخر للبعض الأول: قل بل لم يسمع، أو كلام البعض الآخر بأن يقدر لفظ: سمع، قبله كأنه قال: سمع بل لم يسمع. قلت: هذا كله تعسف نشأ من عدم الوقوف على أسرار العربية، فنقول: التحقيق هاهنا أن كلمة: بل، حرف إضراب، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إما الإبطال وإما الانتقال عن غرض إلى غرض، وإن تلاها مفرد فهي عاطفة، وههنا تلاها جملة، أعني، قوله: لم يسمع، فكان الإضراب بمعنى الإبطال. قوله: (حتى إذا قضى) يتعلق بقوله: فمضى يحدث، لا بقوله: لم يسمع. قوله: (قال: أين أراه السائل؟) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (أراه)، بضم الهمزة، معناه: أظن، وهو شك من محمد بن فليح، ورواه الحسن بن سفيان وغيره عن عثمان بن أبي شيبة عن يونس عن محمد بن فليح من غير شك. ولفظه: (قال أين السائل؟) فإن قلت: السائل، مرفوع بماذا؟ قلت: مرفوع على ابتداء، وخبره قوله: (أين) مقدما، وأين، سؤال عن المكان بنيت لتضمنها حرف الاستفهام. وقول بعضهم: السائل، بالرفع على الحكاية خطأ، بل هو رفع على الابتداء كما قلنا. وقوله: (أراه) جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، والمعنى: أظن أنه قال: أين السائل. قوله: (قال). أي: الأعرابي: ها، حرف التنبية، وفي (العباب): هاء، بالمد تكون تنبيها بمعنى جوابا. وقال الجوهري: ها، قد تكون جواب النداء تمد وتقصر، وأيضا: ها، مقصورة للتقريب إذا قيل لك: أين أنت؟ تقول: ها أنا ذا. قوله: (أنا) مبتدأ وخبره محذوف، أي: أنا سائل، وإنما ترك العاطف عند: قال، في الموضعين السؤال والجواب، لأن المقام كان مقام المقاولة، والراوي يحكي ذلك كأنه، لما قال الأعرابي ذلك، سأل سائل: ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه؟ وبالعكس. قوله: (فإذا ضيعت الأمانة) كلمة إذا، تضمن معنى الشرط، ولهذا جاء جوابها بالفاء. وهو قوله: (فانتظر الساعة). قوله: (قال: كيف إضاعتها؟) أي: قال الأعرابي: كيف إضاعة الأمانة؟ وفي بعض النسخ: (فقال)، بالفاء، وما بعده من قال في الموضعين بلا فاء، ووجهه أن السؤال عن كيفية الإضاعة متفرع على ما قبله، فلهذا عقبه بالفاء، بخلاف اختيه. قوله: (قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله) جواب لقوله: (كيف إضاعتها؟). فإن قلت: السؤال إنما هو عن كيفية الإضاعة لقوله: كيف، والجواب هو بالزمان لا بيان الكيفية، فما وجهه؟ قلت: متضمن للجواب إذ يلزم منه بيان
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»