1 ((باب فضل العلم)) كذا وقع في بعض النسخ، مصدرا بالبسملة بعدها: باب فضل العلم، وفي بعضها، لا يوجد ذلك كله، بل الموجود هكذا: كتاب العلم، وقول الله تعالى... الخ. وفي بعضها البسملة مقدمة على لفظ كتاب العلم، هكذا: بسم الله الرحمان الرحيم كتاب العلم. وهي رواية أبي ذر، والأول رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما، اعني أن روايتهما، أن البسملة بين الكتاب والباب.
وقول الله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) * (المجادلة: 11) وقوله: * (عز وجل رب زدني علما) * (طه: 114).
اكتفى البخاري في بيان فضل العلم بذكر الآيتين الكريمتين، لأن القرآن من أقوى الحجج القاطعة، والاستدلال به في باب الإثبات والنفي أقوى من الاستدلال بغيره. ونقل الكرماني عن بعض الشاميين أن البخاري بوب الأبواب وذكر التراجم، وكان يلحق بالتدريج إليها الأحاديث المناسبة لها، فلم يتفق له أن يلحق إلى هذا الباب ونحوه شيئا منها، إما لأنه لم يثبت عنده حديث يناسبه بشرطه، وإما لأمر آخر. ونقل أيضا عن بعض أهل العراق أنه ترجم له، ولم يذكر شيئا فيه قصدا منه، ليعلم أنه لم يثبت في ذلك الباب شيء عنده. قلت: هذا كله كلام غير سديد لا طائل تحته، والأحاديث والآثار الصحيحة كثيرة في هذا الباب، ولم يكن البخاري عاجزا عن إيراد حديث صحيح على شرطه، أو أثر صحيح من الصحابة أو التابعين، مع كثرة نقله واتساع روايته، ولئن سلمنا أنه لم يثبت عنده ما يناسب هذا الباب، فكان ينبغي أن لا يذكر هذا الباب. فإن قلت: ذكره للإعلام بأنه لم يثبت فيه شيء عنده، كما قاله بعض أهل العراق. قلت: ترك الباب في مثل هذا يدل على الإعلام بذلك، فلا فائدة في ذكره حينئذ. ثم قال الكرماني: فإن قلت: فما تقول فيما يترجم بعد هذا بباب فضل العلم وينقل فيه حديثا يدل على فضل العلم؟ قلت: المقصود بذلك الفضل غير هذا، الفضل إذ ذاك بمعنى: الفضيلة، أي الزيادة في العلم، وهذا بمعنى كثرة الثواب عليه. قلت: هذا فرق عجيب، لأن الزيادة في العلم تستلزم كثرة الثواب عليه. فلا فرق بينهما في الحقيقة، والتحقيق في هذا الموضع أن لفظ: باب العلم، لا يخلو إما أن يكون مذكورا ههنا، وبعد باب رفع العلم وظهور الجهل، على ما عليه بعض النسخ، أو يكون مذكورا هناك فقط. فإن كان الأول فهو تكرار في الترجمة بحسب الظاهر، وإن كان الثاني فلا يحتاج إلى الاعتذارات المذكورة، مع أن الأصح من النسخ هو الثاني، وإنما المذكور ههنا: كتاب العلم، وقول الله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * الآية (المجادلة: 11). ولئن صح وجود: باب فضل العلم، في الموضعين فنقول: ليس بتكرار، لأن المراد من باب فضل العلم، هنا التنبيه على فضيلة العلماء بدليل الآيتين المذكورتين: فإنهما في فضيلة العلماء، والمراد من: باب فضل العلم، هناك التنبيه على فضيلة العلم، فلا تكرار حينئذ. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: باب فضل العلماء، قلت: بيان فضل العلم يستلزم بيان فضل العلماء، لأن العلم صفة قائمة بالعالم. فذكر بيان فضل الصفة يستلزم بيان فضل من هي قائمة به، على أنا نقول: إن لم يكن المراد من هذا الباب بيان فضل العلماء، لا يطابق ذكر الآيتين المذكورتين الترجمة، ولهذا قال الشيخ قطب الدين رحمه الله في (شرحه) بعد الآيتين، ش: جاء في الآثار أن درجات العلماء تتلو درجات الأنبياء، والعلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم وبينوه للأمة، وحموه من تحريف الجاهلين. وروى ابن وهب، عن مالك، قال: سمعت زيد بن أسلم، يقول في قوله تعالى: * (نرفع درجات من نشاء) * (الأنعام: 83) قال: بالعلم. وقال ابن مسعود في قوله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم) * (المجادلة: 11). مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: يرفع الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا فقط ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. وقيل: يرفعهم في الثواب والكرامة، وقيل: يرفعهم في الفضل في الدنيا والمنزلة. وقيل: يرفع الله درجات العلماء في الآخرة على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم. وقيل: في قوله تعالى: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 114) أي: بالقرآن، وكان كلما نزل شيء من القرآن ازداد به النبي، عليه السلام، علما. وقيل: ما أمر الله رسوله بزيادة الطلب في شيء إلا في العلم، وقد طلب موسى، عليه السلام، الزيادة فقال: * (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) * (الكهف: 66) وكان ذلك لما سئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. وقوله: درجات، منصوب بقوله يرفع. فإن قلت: قوله: وقول الله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم) * (المجادلة: 11) ما حظه من الإعراب؟ قلت: الذي يقتضيه أحوال