عليه الصلاة والسلام، وفي (شرح ابن التين) أن هذه الآية نزلت في كعب الأحبار وعبد الله ابن سلام. قلت: عبد الله بن سلام صواب، وقوله: كعب الأحبار خطأ، لأن كعبا ليست له صحبة ولم يسلم إلا في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وقال القرطبي: الكتابي الذي يضاعف أجره هو الذي كان على الحق في فعله عقدا وفعلا إلى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني، وفيه نظر، لأن النبي، عليه الصلاة والسلام، كتب إلى هرقل: (أسلم يؤتك الله أجرك مرتين)، وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل. وقال أبو عبد الملك البوني وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهود البتة، وفيه نظر أيضا كما ذكرناه. وقال الداودي: إنه يحتمل أن يتناول سائر الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام: (أسلمت على ما أسلفت من خير). وفيه نظر، لأن الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم.
وأيضا فقوله: (آمن بنبيه) إشعار بعلية الأجر، أي أن سبب الأجرين من الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك، وقال الكرماني: فإن قلت: أهذا مختص بمن آمن منهم في عهد البعثة أم شامل لمن آمن منهم في زماننا أيضا؟ قلت: مختص بهم لأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، ليس بنبيهم بعد البعثة، بل نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بعدها. وقال بعضهم: هذا لا يتم بمن لم تبلغهم الدعوة، وما قاله شيخنا أظهر، أراد به ما قاله من قوله: إن هذه الثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة. قلت: ليس بظاهر ما قاله هو،، ولا ما قاله شيخه، أما عدم ظهور ما قاله فهو أن ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انقطعت دعوة عيسى صلى الله عليه وسلم وارتفعت شريعته، فدخل جميع الكفار، أهل الكتاب وغيرهم، تحت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء بلغتهم الدعوة أو لا. ولهذا يقال: هم أهل الدعوة، غاية ما في الباب أن من لم تبلغه الدعوة لا تطلق عليهم بالفعل، وأما بالقوة فليسوا بخارجين عنها. وأما عدم ظهور ما قاله شيخه فهو أنه دعوى بلا دليل، لأن ظاهر الحديث يرده لأنه قيد في حق أهل الكتاب بقوله: (آمن بنبيه)، وقد قلنا: إنه حال، والحال قيد، فكان الشرط في كون الأجرين للرجل الذي هو من أهل الكتاب أن يكون قد آمن بنبيه الذي كان مبعوثا إليه، ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم. والكتابي بعد البعثة ليس له نبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم لما قلنا من انقطاع دعوة عيسى صلى الله عليه وسلم بالبعثة، فإذا آمن استحق أجرا واحدا في مقابلة إيمانه بالنبي المبعوث إليه، وهو نبينا صلى الله عليه وسلم. وأما الحكم في الأخيرين، وهما: العبد وصاحب الأمة فهو مستمر إلى يوم القيامة. ثم هذا القائل: وأما ما قوى به الكرماني دعواه بكون السياق مختلفا حيث قيل في مؤمني أهل الكتاب: (رجل) بالتنكير، وفي العبد بالتعريف، وحيث زيدت فيه: إذا، الدالة على معنى الاستقبال، فأشعر ذلك بأن الأجرين لمؤمني أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال، بخلاف العبد، انتهى. وهو غير مستقيم، لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متفقا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف وغيره مختلف، فقد عبر في ترجمة عيسى صلى الله عليه وسلم: بإذا، في الثلاثة. وعبر في النكاح بقوله: (أيما رجل). في المواضع الثلاثة، وهي صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير فلا أثر له ههنا، لأن المعرف بلام الجنس مؤد مؤدى النكرة. قلت: ليس قصد الكرماني ما ذكره القائل، وإنما قصده بيان النكتة في ذكر أفراد الثلاثة المذكورة في الحديث بمخالفة الثاني الأول والثالث، حيث ذكر الأول بقوله: (رجل من أهل الكتاب)، والثالث كذلك بقول: (رجل كانت عنده أمة)، وذكر الثاني بقوله: (والعبد المملوك) في التعريف، فخالف الأول والثالث في التعريف والتنكير، وأيضا ذكر الثاني بكلمة: إذا، حيث قال: (إذا أدى حق الله وحق مواليه)، وكان مقتضى الظاهر أن يذكر الكل على نسق واحد بأن يقال: وعبد مملوك أدى حق الله، أو رجل مملوك أدى حق الله، ثم أجاب عن ذلك بأنه لا مخالفة عند التحقيق، يعني المخالفة بحسب الظاهر، ولكن في نفس الأمر لا مخالفة. ثم بين ذلك بقوله: إذ المعرف بلام الجنس مؤد مؤدى النكرة، وكذا لا مخالفة في دخول: إذا، لأن: إذا، للظرف. و: آمن، حال، والحال في حكم الظرف، إذ معنى جاء زيد راكبا جاء في وقت الركوب وفي حاله. وتعليل هذا القائل قوله: وهو غير مستقيم، بقوله: لأنه مشى مع ظاهر اللفظ، غير مستقيم. لأن بيان النكات بحسب ما وقع في ظواهر الألفاظ، والاختلاف من الرواة في لفظ الحديث لا يضر دعوى الكرماني من قوله: إن الأجرين لمؤمني أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال، أما وقوع: إذا، في الثلاثة، وإن كانت: إذا، للاستقبال فهو أن حصول الأجرين مشروط بالإيمان بنبيه ثم بنبينا صلى الله عليه وسلم، وقد قلنا: إن بالبعثة تنقطع دعوة غير نبينا صلى الله عليه وسلم، فلم يبق إلا الإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم، فلم يحصل، إلا أجر واحد لانتفاء شرط الأجرين. وأما وقوع: أيما، وإن كانت تدل على التعميم