قلت: الأولى أن يقال: رجل، خبر مبتدأ محذوف تقديره: أو لهم، أو: الأول رجل من أهل الكتاب. وقوله: (من أهل الكتاب) في محل الرفع لأنه صفة لرجل. قوله: (آمن)، حال بتقدير: قد. و (آمن)، الثاني، عطف عليه. قوله: (والعبد)، عطف على قوله: رجل، قوله: (حق الله) كلام إضافي مفعول. (أدى) و: (حق مواليه) عطف عليه. قوله: (ورجل)، عطف على: رجل، الأول. قوله: (كانت عنده أمة)، جملة في محل الرفع لأنها صفة لرجل، وارتفاع أمة لكونها اسم: كانت. قوله: (يطؤها) جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع لأنها صفة، أمة. قوله: (فأدبها) عطف على: يطؤها. قوله: (فأحسن تأديبها) عطف على: فأدبها، وكذلك قوله: (وعلمها فأحسن تعليمها ثم اعتقها فتزوجها) بعضها معطوف على بعض، وإنما عطف الجميع بالفاء ما خلا: (ثم اعتقها)، فإنه عطفه: بثم، وذلك لأن التأديب والتعليم يتعقبان على الوطء، بل لا بد منهما في نفس الوطء بل قبله أيضا لوجوبهما على السيد بعد التملك، بخلاف الإعتاق. أو لأن الإعتاق نقل من صنف من أصناف الأناسي إلى صنف آخر منها، ولا يخفى ما بين الصنفين: المنتقل منه، والمنتقل إليه من البعد، بل من الضدية في الأحكام والمنافاة في الأحوال، فناسب لفظ دال على التراخي بخلاف التأديب. قوله: (فله اجران)، قال الكرماني: الظاهر أن الضمير يرجع إلى الرجل الثالث، ويحتمل أن يرجع إلى كل من الثلاث. قلت: بل يرجع إلى الرجل الأخير، وإنما لم يقتصر على قوله أولا: لهم أجران، مع كونه داخلا في الثلاثة بحكم العطف، لأن الجهة كانت فيه متعددة، وهي التأديب والتعليم والعتق والتزوج، وكانت مظنة أن يستحق الأجر أكثر من ذلك، فأعاد قوله: (فله أجران)، إشارة إلى أن المعتبر من الجهات أمران. فإن قلت: لم لم يعتبر إلا اثنتان ولم يعتبر الكل؟ قلت: لأن التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي والأولاد وجميع الناس فلم يكن مختصا بالإماء، فلم يبق الاعتبار إلا في الجهتين، وهما: العتق والتزوج. فإن قلت: إذا كان المعتبر أمرين، فما فائدة ذكر الأمرين الآخرين؟ قلت: لأن التأديب والتعليم أكمل للأجر، إذ تزوج المرأة المؤدبة المعلمة أكثر بركة وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه. وقال الكرماني: فإن قلت: ينبغي أن يكون لهذا الأخير أجور أربعة: أجر التأديب والتعليم والإعتاق والتزوج، بل سبعة. قلت: المناسبة بين هذه الصورة وأخواتها الجمع بين الأمرين اللذين هما كالمتنافيين، فلهذا لم يعتبر فيها إلا الأجر الذي من جهة الأحوال التي للرقية، والذي من جهة الأحوال التي للحرية، ولهذا ميز بينهما بلفظ: ثم، دون غيرهما. قلت: هذا كلام حسن، ولكن في قوله: هما كالمتنافيين، نظر لا يخفى.
بيان المعاني: قوله: (من أهل الكتاب) اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هم الذين بقوا على ما بعث به نبيهم من غير تبديل ولا تحريف، فمن بقي على ذلك حتى بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فآمن به فله الأجر مرتين، ومن بدل منهم أو حرف لم يبق له أجر في دينه فليس له أجر إلا بإيمانه بمحمد، عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: يحتمل إجراؤه على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان به سببا لإعطاء الأجر مرتين: مرة على أعمالهم الخير الذي فعلوه في ذلك الدين، وإن كانوا مبدلين محرفين. فإنه قد جاء أن مبرات الكفار وحسناتهم مقبولة بعد الإسلام. ومرة على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: المراد به هنا أهل الإنجيل خاصة إن قلنا: إن النصرانية ناسخة لليهودية. قلت: لا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا، فلا يتناوله الخير، لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه. والتحقيق فيه أن الألف واللام في: الكتاب، للعهد، إما من التوراة والإنجيل، وإما من الإنجيل. قال الله عز وجل: * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) * (القصص: 52) إلى وقوله: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) * (القصص: 54) فالآية موافقة لهذا الحديث، وهي نزلت في طائفة آمنوا منهم: كعبد الله بن سلام وغيره. وفي الطبراني من حديث رفاعة القرظي، قال: نزلت هذه الآية في وفي من آمن معي، وروى الطبراني بإسناد صحيح عن علي بن رفاعة القرظي، قال: خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبو رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فأوذوا فنزلت: * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) * (القصص: 52) الآيات، فهؤلاء من بني إسرائيل، ولم يؤمنوا بعيسى، عليه الصلاة والسلام، بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد، عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين، ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: إنهم لم تبلغهم دعوة عيسى، عليه الصلاة والسلام، لأنها لم تنشر في أكثر البلاد، فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى، عليه الصلاة والسلام، إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد،