ثمان. وذكر السهيلي رحمه الله أن هرقل وضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إليه في قصبة من ذهب تعظيما وأنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرا عن كابر في أعز مكان حتى كان عند اذفرنش الذي تغلب على طيطلة وما أخذها من بلاد الأندلس ثم كان عند ابنه المعروف بشليطن وحكى أن الملك المنصور قلاون الألفي الصالحي أرسل سيف الدين طلح المنصوري إلى ملك الغرب بهدية فأرسله ملك الغرب إلى ملك الإفرنج في شفاعة فقبلها وعرض عليه الإقامة عنده فامتنع فقال له لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج له صندوقا مصفحا من ذهب فأخرج منه مقلمة من ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر فما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم لنا الملك * ثم اختلف الإخباريون هل هرقل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه فقال بعضهم هو إياه وقال بعضهم هو ابنه والذي أثبته في تاريخي عن أهل التواريخ والأخبار أن هرقل الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هلك وملك بعده ابنه قيصر واسمه مورق وكان في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ثم ملك بعده ابنه هرقل بن قيصر وكان في خلافة عمر رضي الله عنه وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام أيام أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما فاستقر بالقسطنطينية وعدة ملوكهم أربعون ملكا وسنوهم خمسمائة وسبع سنين والله أعلم (بيان استنباط الأحكام) وهو على وجوه * الأول يستفاد من قوله إلى عظيم الروم ملاطفة المكتوب إليه وتعظيمه فإن قلت لم لم يقل إلى ملك الروم. قلت لأنه معزول عن الحكم بحكم دين الإسلام ولا سلطنة لأحد إلا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت إذا كان الأمر كذلك فلم لم يقل إلى هرقل فقط. قلت ليكون فيه نوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي تعظمه الروم وقد أمر الله تعالى بتليين القول لمن يدعى إلى الإسلام وقال تعالى * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * * الثاني فيه تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا. فإن قلت كيف صدر سليمان عليه السلام كتابه باسمه حيث قال * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * قلت خاف من بلقيس أن تسب فقدم اسمه حتى إذا سبت يقع على اسمه دون اسم الله تعالى. وقال الشيخ قطب الدين وفيه أن السنة في المكاتبات أن يبدأ بنفسه فيقول من فلان إلى فلان وهو قول الأكثرين وكذا في العنوان أيضا يكتب كذلك واحتجوا بهذا الحديث وبما أخرجه أبو داود عن العلاء بن الحضرمي وكان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه وفي لفظ بدأ باسمه وقال حماد بن زيد كان الناس يكتبون من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان أما بعد قال بعضهم وهو إجماع الصحابة. وقال أبو جعفر النحاس وهذا هو الصحيح وقال غيره وكره جماعة من السلف خلافه وهو أن يكتب أولا باسم المكتوب إليه ورخص فيه بعضهم وقال يبدأ باسم المكتوب إليه روي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وعن محمد بن الحنفية وأيوب السختياني أنهما قالا لا بأس بذلك وقيل يقدم الأب ولا يبدأ ولد باسمه على والده والكبير السن كذلك. قلت يرده حديث العلاء لكتابته إلى أفضل البشر وحقه أعظم من حق الوالد وغيره * الثالث فيه التوقي في المكاتبة واستعمال عدم الإفراط * الرابع فيه دليل لمن قال بجواز معاملة الكفار بالدراهم المنقوشة فيها اسم الله تعالى للضرورة وإن كان عن مالك الكراهة لأن ما في هذا الكتاب أكثر مما في هذا المنقوش من ذكر الله تعالى * الخامس فيه الوجوب بعمل خبر الواحد وإلا لم يكن لبعثه مع دحية فائدة مع غيره من الأحاديث الدالة عليه * السادس فيه حجة لمن منع أن يبتدأ الكافر بالسلام وهو مذهب الشافعي وأكثر العلماء وأجازه جماعة مطلقا وجماعة للاستئلاف أو الحاجة وقد جاء عنه النهي في الأحاديث الصحيحة وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام الحديث وقال البخاري وغيره ولا يسلم على المبتدع ولا على من اقترف ذنبا كبيرا ولم يتب منه ولا يرد عليهم السلام واحتج البخاري بحديث كعب بن مالك وفيه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا * السابع فيه استحباب أما بعد في المكاتبة والخطبة وفي أول من قالها خمسة أقوال. داود عليه السلام. أو قس بن ساعدة. أو كعب بن لؤي. أو يعرب بن قحطان أو سحبان الذي يضرب به المثل في الفصاحة * الثامن فيه أن من أدرك من أهل الكتاب
(٩٩)