عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٩٧
والنهي عن الشيء يوجب أن يكون ضده في معنى سنة مؤكدة * التاسع ما قيل وينهاكم عن عبادة الأوثان لم يذكره أبو سفيان فلم ذكره هرقل وأجيب بأنه قد لزم ذلك من قول أبي سفيان وحده ومن ولا تشركوا ومن واتركوا ما يقول آباؤكم ومقولهم كان عبادة الأوثان * العاشر ما قيل ما ذكر هرقل لفظة الصلة التي ذكرها أبو سفيان فلم تركها وأجيب بأنها داخلة في العفاف إذ الكف عن الحرام وخوارم المروءة يستلزم الصلة وفيه نظر إلا أن يراد أن الاستلزام عقلي فافهم * الحادي عشر ما قيل لم ما راعى هرقل الترتيب وقدم في الإعادة سؤال التهمة على سؤال الاتباع والزيادة والارتداد وأجيب بأن الواو ليست للترتيب أو أن شدة اهتمام هرقل بنفي الكذب على الله سبحانه وتعالى عنه بعثه على التقديم * الثاني عشر ما قيل السؤال من أحد عشر وجها والمعاد في كلام هرقل تسعة حيث لم يقل وسألتك عن القتال وسألتك كيف كان قتالكم فلم ترك هذين الاثنين وأجيب لأن مقصوده بيان علامات النبوة وأمر القتال لا دخل له فيها إلا بالنظر إلى العاقبة وذلك عند وقوع هذه القصة كانت في الغيب وغير معلوم لهم أو لأن الراوي اكتفى بما سيذكره في رواية أخرى يوردها في كتاب الجهاد في باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام بعد تكرر هذه القصة مع الزيادات وهو أنه قال وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم وزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه يكون دولا وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة * الثالث عشر ما قيل كيف قال هرقل وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ومن أين علم ذلك وأجيب باطلاعه في العلوم المقررة عندهم من الكتب السالفة * الرابع عشر ما قيل كيف قال في الموضعين فقلت وفي غيرهما لم يذكره وأجيب بأن هذين المقامين مقام تكبر وبطر بخلاف غيرهما * الخامس عشر ما قيل كيف قال وكنت أعلم أنه خارج ومأخذه من أين وأجيب بأن مأخذه أما من القرائن العقلية وأما من الأحوال العادية وأما من الكتب القديمة كما ذكرنا * السادس عشر ما قيل هذه الأشياء التي سألها هرقل ليست بقاطعة على النبوة وإنما القاطع المعجزة الخارقة للعادة فكيف قال وكنت أعلم أنه خارج بالتأكيدات والجزم وأجيب بأنه كان عنده علم بكونها علامات هذا النبي صلى الله عليه وسلم وبه قطع ابن بطال. وقال أخبار هرقل وسؤاله عن كل فصل فصل إنما كان عن الكتب القديمة وإنما كان ذلك كله نعتا للنبي صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل * السابع عشر ما قيل هل يحكم بإسلام هرقل بقوله فلو أني أعلم أني أخلص له لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت رجليه وأجيب بأنا لا نحكم به لأنه ظهر منه ما ينافيه حيث قال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فعلمنا أنه ما صدر منه ما صدر عن التصديق القلبي والاعتقاد الصحيح بل لامتحان الرعية بخلاف إيمان ورقة فإنه لم يظهر منه ما ينافيه وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون قوله ذلك خوفا على نفسه لما رآهم حاصوا حيصة الحمر الوحشية وأراد بذلك إسكاتهم وتطمينهم ومن أين وقفنا على ما في قلبه هل صدر هذا القول عن تصديق قلبي أم لا ولكن قال النووي لا عذر فيما قال لو أعلم لتجشمت لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شح بالملك ورغب في الرياسة فآثرهما على الإسلام وقد جاء ذلك مصرحا به في صحيح البخاري ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة وقال الخطابي إذا تأملت معاني هذا الكلام الذي وقع في مسألته عن أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وما استخرجه من أوصافه تبينت حسن ما استوصف من أمره وجوامع شأنه ولله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعد معقوله مقدوره وقال أبو عمر آمن قيصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبت بطارقته قلت قوله لو أعلم أني أخلص إليه يدل على أنه لم يكن يتحقق السلامة من القتل لو هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقاس ذلك على قصة ضفاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه ولكن لو نظر هرقل في الكتاب إليه إلى قوله صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لو أسلم لسلم من كل ما كان يخافه ولكن القدر ما ساعده ومما يقال أن هرقل آثر ملكه على الإيمان وتمادى على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازي ابن إسحاق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكى كيفية الواقعة وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»